القائمة الرئيسية

الصفحات

الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ اتجاهاته ومضامينه






الخطاب اللّسانيّ  المغاربيّ
اتجاهاته ومضامينه
يوسف منصر
توطئة:
      تتطوّر العلوم على اختلاف أنواعها ومباحثها، وفق صعيدين:
إمّا بالتراكم، وإمّا بالقطيعة، فعلى الصّعيد الأوّل تضاف مجهودات (المحدثين) إلى مجهودات المتقدّمين (القدماء)، مع بقاء مجال الرّؤية موحّدا مستمّرًا على الوتيرة نفسها، وعلى الصّعيد الثّاني تكون حركيّة علم من العلوم مبنيّة على الاتّصال والانفصال في آن واحد، فبقدر ما يمعن المتأخّرون في تغيير مسارات البحث ووسائله النّظريّة والمنهجيّة، وغاياته التي يصبو إليها، بقدر ما يدفعون بتلك المعرفة أشواطا إلى الأمام، أو يبثّوا فيها نفسًا جديدًا، غير أنّ الأهم بين هذا وذاك هي لحظة وقوع الاتّصال وحدوث الانفصال؛ إنّها نقطة انعطاف وتوقّف يستدير فيها العقل إلى الوراء لمعاينة الصّرح المعرفيّ الذي شيّده ويحاول تقويمه وتقييمه، تحسّبا لمواصلة المسيرة (أي الصّيرورة المعرفيّة)، وطرح لآفاق علميّة استشرافيّة جديدة.

    إنّ تلك اللّحظة الّتي تقف فيها الذّات العارفة لمعرفة معيّنة معايِنة ومحلِّلة وناقدة، ليست إلاّ محاولة منها لقراءة خطابها المعرفيّ ذاته، من خلال أدوات قرائيّة تصطنعها لنفسها، فتنظر بذلك إلى منجزها عير محطّات زمنيّة متعاقبة، ووفق رؤى ليست بالضّرورة متجانسة.

   هنا إذن، يتنزّل تصوّر بحثنا، الذي نسعى من خلاله إلى مقاربة الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ- وبعيدًا عن كلّ نزعة إقليميّة- من خلال تبيان ماهيّته، والأنماط الخطابيّة اللّسانيّة الّتي يزخر بها، ومن ثمّة المضامين الّتي يفرزها ويتأسس عليها كلّ لون من ألوان الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ، وعليه ستتوزّع البحث على النحو الآتي:

1- الخطاب اللّسانيّ والخطاب اللّسانيّ المغاربيّ: ضبط مفاهيمي ومصطلحي:

2- أنماط الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ وفيه نتحدث عن:
       أ‌-        الخطاب اللّسانيّ التأسيسيّ التّعليميّ.

      ب‌-      الخطاب اللّسانيّ التراثيّ (القرائيّ الشّارح).

       ت‌-      الخطاب اللّسانيّ المتخصّص (التوليديّ التّحويليّ/ الوظيفيّ).

        ث‌-      الخطاب اللّسانيّ النّقديّ.

3- مضامين الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ من خلال عرضنا لبعض القضايا اللّسانيّة الّتي استوقفت مختلف الأنماط المذكورة

1- الخطاب اللّسانيّ:Le discours Linguistique :

الخطاب العلميّ خطاب متعدّد الأنماط، فثمة خطاب علمي واصف وخطاب علمي تقريري وخطاب علمي تفسيري، ولكل منها بنيته وخصائصه وأهدافه التي تميزه عن غيره وإن تقاطع معها في بعض السمات.

والخطاب اللساني يمكن اعتباره لونا من ألوان الخطاب العلمي، يأخذ هو أيضا بحظه من بعض مميزات الخطابات العلمية المذكورة آنفا ويستقل بخصائص لا تتوافر في غيره.

فالخطاب اللساني«خطاب علمي له حد أو ماهية، مادة أو موضوع أو ظاهرة وغاية أو أهداف يود تحقيقها من خلال تطبيقاته المختلفة»[1]، أو هو بتعيير أكثر دقة    «التحدث عن حديثنا عن اللغة»[2] وعلى هذا الأساس يجوز لنا اعتبار كل كلام عن الظاهرة اللغوية ويتصف بالعلمية خطابا لسانيا فما كتبه دي سوسير وتشومسكي وعبد الرحمان الحاج صالح، والفاسي الفهري، والمسدي، وأحمد المتوكل وغيرهم كثير، كلها خطابات لسانية لأنها تتخذ اللغة كمادة أو موضوع بغرض بحثها وفق معطيات منهجية محددة.

2- الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ:

بعد أن تبيّنا حدود مقصدنا بمصطلح الخطاب اللّسانيّ؛ فإنّ إلحاق الدّال (المغاربيّ) وإضافته لهذا المصطلح، لن يخرج به عن دلالته التي رصدنا، غير أنّه ينـزاح به إلى حدود زمانيّة ومكانيّة نعيّنها فيصبح المقصود ذلك الخطاب اللّسانيّ الّذي يتحرّك في فضاء جغرافيّ محدّد وتـمّ إنجازه وتحقيقه -أي الخطاب اللّساني بوصفه تفكيرا محكوما بالعلميّة- منذ أواخر القرن العشرين إلى يومنا هذا، ومن قبل لسانيّين مغاربة-نشير إلى المغرب العربيّ- كالدّكتور عبد الرحمان الحاج صالح من الجزائر، وعبد القادر المهيري، وعبد السّلام المسدّي من تونس، وعبد القادر الفاسي الفهري، وأحمد المتوكل، ومصطفى غلفان من المغرب، وغيرهم من اللّسانيّين الذين يضيق المجال عن ذكرهم أجمعين وعليه فإنّ التوجه إلى الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ تمليه اعتبارات حضاريّة الهدف من ورائها تبيان الجهود اللّسانيّة لعلماء اللّسانيّات المغاربيّين، بوصفهم جزءًا من الحركة اللّسانيّة العربيّة عامّة من ناحيّة وللأهميّة البالغة الّتي تكتسيها تلك الجهود، وما تتميز به من ناحية أخرى، دون أن يكون لكلامنا هذا الاستخفاف أو الانتقاص من الجهود اللّسانيّة المشرقيّة؛ إذ إنها تبقى رائدة، من حيث إن لها الفضل في ظهور الثّقافة  اللّسانيّة في العالم العربيّ وبخاصّة الجامعة المصريّة[3].

غير أنّ الّذي حملنا على هذا الوصف أو التفويق للخطاب اللّسانيّ المغاربيّ، جملة من العوامل الموضوعيّة لعلّ أهمّها يكمن في كون بداية التّجربة اللّسانيّة المغاربيّة لم تكن عشوائيّة أو مصادفة، بل "تحاشت الطّفرة، وجانبت الارتجال، ففي الجزائر أنشئ سنة 1966 معهد العلوم اللّسانيّة والصّوتيّة، وظلّ يؤسّس العمل المثابر حتى أصدر سنة 1971 مجلّته المتخصّصة اللّسانيّات الّتي أدّت رغم تعثّرها وظيفة ساميّة في ترسيخ الوعي المعرفي العميق، وفي تونس بدأ المرحوم صالح القرمادي المشروع الكبير بترجمة كتاب جون كانتينو"دروس في علم أصوات العربيّة" عام 1966، ثمّ سنة 1975 في ترجمة دروس دي سوسير وفي أثناء ذلك انصرف من جهته إلى ترجمة كتاب أندري مارتينيه"مبادئ في اللّسانيّات العامّة" فأتمّه ووافاه الأجل قبل أن يخرجه إلى النّاس، وفي جهد موازٍ لكلّ ذلك أنجز الباحث الطيّب البكّوش ترجمته لكتاب جورج مونان"مفاتيح اللّسانيّات" سنة 1981[4].

إضافة إلى هذا العمل التأسيسيّ السّاعي إلى غرس البحث اللّسانيّ في التّربة العربيّة عامّة بشكل يضمن نموًا طبيعيّا لها، نجد خصوصيّة أخرى للخطاب اللّسانيّ المغاربيّ تمنحه نوعا من الامتياز وأعني بذلك التّجمّعات العلميّة الأولى الّتي احتضنتها بلدان المغرب العربيّ، وهي مهمة بالنّظر إلى الظّروف التي عقدت فيها من ذلك: ندوة اللّسانيّات واللّغة العربيّة 1978[5] واللّسانيّات في خدمة اللّغة العربيّة [6]1981 والملتقى الدّوليّ الثّالث في اللّسانيّات 1983[7]، وهي ثلاثيّة احتضنتها الجامعة التّونسيّة،وأعقب ذلك بسنوات أربع وتحديدا سنة 1987؛ ندوة تقدّم اللّسانيّات في أقطار العالم العربيّ[8]، التي احتضنتها الجامعة المغربيّة وبإشراف من المنظمة العربيّة للتربيّة والثّقافة والعلوم، ويحسن بنا في هذا المقام أن نشير أيضا-علاوة على ما ذكرنا- إلى اندراج الثّقافة اللّسانيّة في الحركات الجمعويّة ذات الطّابع العلميّ، ففي المغرب نسمع بجمعيّة اللّسانيّات الّتي يترأسها الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، وبالجزائر أسست حديثا الجمعيّة الخليليّة نسبة إلى النّظريّة الخليليّة الحديثة الّتي يقول بها الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح...

3- أنماط الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ:

يتميّز واقع البحث اللّسانيّ المغاربيّ والعربيّ على حدّ سواء بتعدّد نماذجه وأنماطه، وهذا التّعدّد يعكس مبدئيا تعدّد المرجعيّات أو الخلفيّات الّتي تضبط وتحدّد هذا النموذج من الكتابة اللّسانيّة أو ذاك.وسنعتمد في عرض أنماط هذا الخطاب اللّسانيّ المنهجيّة نفسها الّتي اعتمدها الباحث: مصطفى غلفان في دراسته القيّمة الموسومةبـ:" اللّسانيّات العربيّة: دراسة نقديّة في المصادر والأسس النّظريّة والمنهجيّة"[9]؛ إذ لجأ إلى الثلاثيّة الّتي تحكم إنتاج كلّ خطاب مهما اختلفت طبيعته وهي: الموضوع والغاية والمنهج، بيد أنّنا سنقتصر على العنصر الأخير في استخلاص نماذج الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ، على أن نرجئ النظر في النماذج التي تترتب على النظر في الموضوع والغاية إلى دراسة أخرى مستقلة.

إنّ المقصود بالمنهج كبؤرة لإفراز النّماذج اللّسانيّة الّتي نروم بحثها ليس إلاّ تبيانا"لوجهة النّظر المتّبعة في بحث موضوع معيّن"[10]، أو الطّريقة الّتي تمّ وفقها التّعامل مع الثّقافة الجديدة الوافدة، وفي هذا الإطار، نجد الباحث اللّسانيّ المغاربيّ، قد سلك أربع طرق متباينة، أو تعامل مع اللّسانيّات وفق أربع منهجيّات هي:

1.المنهج التعليميّ: "القائم على التوضيح والتبيان والشّرح، وما يتطلبّه كلّ ذلك من وسائل مساعدة كالأمثلة والرّسوم البيانيّة"[11] وعليه يتحدّد النّمط الأوّل من الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ وهو الخطاب اللّسانيّ التّعليميّ أو التبسيطي، الذي يهدف إلى تسيير المعرفة اللّسانيّة، وتلقين مبادئها إلى"القارئ العربيّ سواء كان يلج عالم التخصّص أو قارئا ينشد التسلّح باللّسانيّات للاستفادة منها في مجالات فكريّة أخرى من فكر عربيّ أو نقد أدبيّ أو تاريخ أو ما شابه ذلك"[12]

2.المنهج القرائيّ: وهو المنهج الذي يعتمد القراءة كآليّة لإنتاج خطابه اللّسانيّ، انطلاقا من وجود المادة محل القراءة، وهي في واقع البحث اللّسانيّ المغاربيّ النّصوص التراثيّة الّتي عنيت بمسائل عديدة ومتنوّعة من الظّاهرة اللّغويّة، ومن ثمّة يتحدّد النّمط الثّاني وهو الخطاب اللّسانيّ التّراثيّ، أو لسانيّات التّراث على حدّ تعبير أحد الباحثين[13].

3.المنهج العلمي: والمقصود بذلك مختلف المناهج الّتي تصطنعها اللّسانيّات في معالجتها للظّاهرة اللّغويّة كالمنهج الوصفيّ والتّفسيريّ والمقارن وغير ذلك، ومنه يتحدّد لدينا النّمط الثّالث وهو الخطاب اللّسانيّ الصّرف أو المتخصّص المتقيّد بخطوات البحث اللّسانيّ المعروفة في إطار الخطاب اللّسانيّ العالمي.

4.المنهج النقديّ: وأعني به المنهج الذي يحتوي ويستوعب كلّ الخطابات المحدّدة آنفا من تعليميّ وتراثيّ ولسانيّ صرف بغية معاينتها كبنية خطابيّة عالجت اللّغة ومتعلّقاتها، ونقد أسسها ومناهجها وكذا غاياتها الّتي تهدف إليها، ويترتب على ذلك الإقرار بالنمط الرّابع والأخير من أنماط الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ وهو الخطاب اللّسانيّ النقديّ، الذي تشهد كتابات كثيرة عربيّة كانت أم مغاربيّة على وجه الخصوص بتناميته ومسايرته للمنجز من خلال الكتابات اللّسانيّة المختلفة[14].



النّمط الأوّل: الخطاب اللّسانيّ التبسيطي أو التّعليميّ أو التّأسيسيّ:

ويوسم في بعض الكتابات اللّسانيّة النقّديّة بالتّمهيديّ[15]، وهو كما أوضحت خطاب ذو غاية تعليميّة هدفه إشاعة الدّرس اللّسانيّ وغرسه في منظومتنا المعرفيّة، ومن بين الكتابات اللّسانيّة المغاربيّة الّتي تنحوا هذا المنحى أو يمكن إدراجها تحت هذا الصّنف نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

1.         مباحث تأسيسيّة في اللّسانيّات لعبد السّلام المسدّي

2.         مبادئ في اللّسانيّات لخولة طالب الإبراهيميّ

3.         مدخل إلى لسانيات سوسير لمبارك حنون

ويتأسّس هذا الخطاب باعتقادنا على جملة من المسوّغات الّتي تعطيه شرعيّة الوجود على خريطة البحث اللّسانيّ المغاربيّ العام، والّتي من بينها:

1-اعتبار اللّسانيّات جسما وافدا وغريبا عن الثّقافة العلميّة الموروثة، وأنّ إدماج هذا الجسم، وزرعه في التّقاليد العلميّة السّائدة يتحقّق من بين ما يتحقّق به عبر تقديمه للمتعلّم خاصّة والقارئ عامّة لما يكفل له التعرّف على تلك المنظومة المعرفيّة الجديدة، بعدما يكون التلقّي قد تمّ بشكل قبليّ وسابق من لدن من سيتولون مهمّة تيسيره وتبسيطه، وبتعبير آخر نقل اللّسانيّات من إطارها العلميّ الدّقيق إلى الإطار التّعليميّ الذي يُعنى بتقديم المحاور الكبرى للدّرس اللّسانيّ، وشحن المتعلّم بكل المفاتيح المعرفيّة الّتي تمكنه على محور الزّمن من تجاوز التّعليميّ إلى العلميّ[16].

- التّصوّر القبليّ لمنشإ الخطاب التّعليميّ أو التّبسيطيّ: إذ غالبا ما يصرح كتاب هذا النّمط من الخطاب اللّسانيّ، بأنّ ما يكتبونه أو ما يخرجونه من كتب (تنحو هذا المنحى) هو بوجه: للمبتدأ أو إلى الذي يريد الاطّلاع البدئيّ، أو الدّارس في الصّف الجامعيّ الفلانيّ، وغير ذلك من هذه الصّفات الّتي تؤكّد تواجد الكتابة اللّسانيّة التمهيديّة انطلاقا من وعي مؤلفيها، بانعدام مبادئ الدّرس اللّسانيّ لدى المتلقيّ.

- ضعف الجهد المبذول في مجال التّرجمة اللّسانيّة، فكأن اللّسانيّ المغاربيّ يفضّل القيام بالكتابة اللّسانيّة التّبسيطيّة بناءً على ما فقهه من علم اللّسان بشكل شخصيّ، على أن يخوض غمار ترجمة أحد الكتب المفاتيح في الدّرس اللّسانيّ الغربيّ[17].

النّمط الثّاني: الخطاب اللّسانيّ التّراثيّ:

يعدّ هذا النّمط من أنماط الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ، وليد الثّنائيّة الّتي شغلت ومازالت الفكر العربيّ المعاصر، وهي: الأصالة والمعاصرة أو الحداثة والتّراث، والّتي أفرزت كما هو معلوم ثلاث رؤى متباينة.

أوّلهما: تتبنّى مقولات القدامى في شتّى ضروب المعرفة (الإنسانيّة خاصّة) وتعتبر ما جاء به المحدثون، تكرارا لما سبق أن بُحث وأُلف فيه.

وثانيهما: يمارس فعل القطيعة مع التّراث (المنجز الفكريّ العربيّ القديم)، ويعتبره بنية مغايرة تاريخيّا وثقافيا ومعرفيا مقارنة بالخطاب الغربيّ أو أي خطاب آخر.

وثالثهما: ذو ميول توفيقية، يسعى أن يخفّف من حدّة التطرّف الّتي تطبع الرّؤيتين السّابقتين، فيأخذ من مقولات القدماء ومقولات المحدثين ما يؤلف به خطابا توفيقيًّا.

ولمّا كان الخطاب اللّسانيّ التّراثيّ، مؤسّسا على تلك الخلفيّة، أي ثقافة حمل الفرع على الأصل على حد تعبير عبد السّلام المسدّي[18]، فإنّه سعى إلى تقديم المبرّرات الّتي تعطيه مشروعيّة الوجود، وتناول الظّاهرة اللّغويّة من خلال النّظر في قضايا لسانيّة معاصرة بعيون تراثيّة والتي نصوغها في الآتي:

1.إسقاط المرحلة الحضاريّة الإسلاميّة العربيّة إبّان عهودها الزّاهيّة من تاريخ البحث اللّسانيّ البشريّ عبر امتداده الزّمنيّ، فأشهر المصنّفات الغربيّة الّتي أرّخت للفكر اللّسانيّ البشريّ، تقفز على الفترة الّتي أعطى فيها علماؤنا العرب القدامى الكثير من المباحث والأفكار والنّظريّات حول اللّغة[19]، ومن ثمّة يصبح الخطاب اللّسانيّ التّراثيّ، في بعد من أبعاده المختلفة وصلاً لمفصول من حلقات الفكر البشريّ، وتنبيها إليه.

2.يرى أصحاب هذا الاتّجاه، أنّ إعادة قراءة الفكر اللّغويّ القديم على ضوء المباحث اللّسانيّة المعاصرة لا يمتّ بصلة إلى الفوارق السّيّاقيّة المتباينة بين البحث اللّغويّ القديم ونظيره الحديث، ممّا يلغي بحسب رأي القائلين بمقولة الفوارق السّيّاقيّة-كلّ جهد تقريبيّ أو توفيقيّ، بل إنّ القضيّة عندهم مرتبطة بالتّراث ذاته من حيث قدراتنا على إعادة بعثه وتطويره، دونما حاجة إلى مقارعته بالحديث، وهم بذلك يعتبرون "قراءة التّراث تأسيسا للمستقبل على أصول الماضي، بما يسمح ببعث الجديد عبر إحياء المكتسب"[20]، ويدعمون رأيهم بإمكانيّة تجدد التراث عبر إعادة قراءته، بالقرآن الكريم كونه رسالة لسانيّة، فهذا الأخير بحسب وجهة نظرهم"كان من المفروض أن يتجدّد نمط قراءته منذ نزوله أي منذ حلوله محلّ الموجود اللّسانيّ على لسان باثّه الأوّل لاسيما أنّه نصّ خلو من الطّلاسم أو الملغّزات"[21]، إلاّ أنّ تميّزه بصلاحيّته الزّمانيّة والمكانيّة عبر القراءات المتنوّعة، يجعل الحضارة العربيّة الإسلاميّة "تقوم على مبدأ النّشوء والتولّد يتناسل الموروث عبر الزّمن فتتولّد من الموجود الواحد كائنات متعدّدة على قدر ما تتولّد من النّص نصوص تلو النّصوص"[22].

1.اعتبارهم نصوص التّراث اللّغويّة مطابقة لمباحث الدّرس اللّسانيّ الحديث، وأنّ الفارق الوحيد لا يعود لخصائص تمسّ هذا الصّنف من البحث أو ذاك، بل لما وفّرته التكنولوجيا من تقنيّات وآلات يسّرت عمل اللّسانيّ المعاصر، ولعلّ الأمر بهذه الكيفيّة سيغدو مسوّغا إلى القول ليس بالتطابق فحسب، بل "بتفويق القديم على الحديث"[23].

النّمط الثّالث: الخطاب اللّسانيّ المتخصّص:

    يعتبر هذا النّمط من أنماط الكتابة اللّسانيّة المغاربيّة الأقرب إلى ممارسة الفعل اللّسانيّ، مقارنة ببقيّة الأنماط، والسّبب في ذلك أنّه لا يتناقض وموضوع اللّسانيّات نفسها، فإذا كان موضوع هذه الأخيرة هو دراسة اللّغات الطّبيعيّة لذاتها ولأجل ذاتها على حد تعبير"دي سوسير" فإنّ هذا الخطاب لا يحيد عن هذا التّحديد، فنراه- وكما سنعرض عند حديثنا عن المضامين- يشتغل على بنيات اللّغة العربيّة: الصّوتيّة والصّرفيّة، والتّركيبيّة، والدّلاليّة، والمعجميّة، متوسّلا في ذلك بالأسس النّظريّة والمنهجيّة الّتي أقرّها البحث اللّسانيّ الحديث، بخلاف الخطاب اللّسانيّ التّراثيّ الذي يبدو "متعاليا على موضوعه"[24] أو الخطاب التّعليميّ، الّذي يعدّ على هامش اللّسانيّات أو في مدخلها، مثلما تشي بذلك العديد من المصنّفات الّتي تندرج ضمن هذا البحث.

وللخطاب اللّسانيّ بدوره جملة من الأسباب التي أسّست لظهوره والتي تعود باعتقادنا إلى سببين هما:

1.اعتبارها البحث اللّغويّ القديم بآليّاته النّظريّة وأدواته المنهجيّة ومنظومته المصطلحيّة، منجزا  نظر في بنية لسانيّة مغايرة للبنية اللّسانيّة المتداولة حديثا.

2.ربط البحث اللّسانيّ، بمهمة التّفسير، وليس الوصف فحسب كما يذهب إلى ذلك أصحاب التيار التوليديّ التّحويليّ، في نقدهم للاتّجاه الوصفيّ، وأنّ عدم الاكتفاء بالوصف وتجاوزه إلى التّفسير حقيق بأن يوقف الباحث على المعادلة المشتركة بين مختلف الأنظمة النّحويّة للّغات الطّبيعيّة (الكليات اللسانية).

4-النّمط الرابع: الخطاب اللّسانيّ النقدي:

وهو خطاب مؤسس على خطاب آخر، وغايته أن يتتبع منجزات الخطاب اللساني المغاربي (والعربي) على اختلاف أنماطه وذلك بالنظر إلى الأسس النظرية التي يصدر عنها والأدوات المنهجية والإجرائية التي يتوسل بها والنتائج التي حققها وتكمن أهمية هذا النمط في الدور الذي يلعبه في إطار الثقافة اللسانية العربية والمتمثل أساسا في تقويم الحركة اللسانية المغاربية وتحديد موقعها من صميم النشاط اللساني (مدى قربها أو بعدها عنه) مما يسهم في إثرائها من ناحية وتوجيهها من ناحية أخرى. 

1.مضامين الخطاب اللساني المغاربي:

تتباين مضامين الخطاب اللّساني المغاربيّ بحسب الأنماط التي حددناها؛ إذ إنّ كلّ نمط يفرز مضامينه الخاصة به، مع ملاحظة أخرى هي أنّ المضامين الّتي يتناولها كل نمط خطابيّ مرتبطة بالغايات والأهداف التي يرسمها هذا الخطاب أو ذاك.

أ- مضامين الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ التأسيسيّ أو التعلّيمي:

يُجمل أحد الباحثين المهتمين بإشكالات تلقي اللسانيات في الثقافة العربية محاور الدرس اللّساني التأسيسي في "النظريات اللسانية"[25] من حيث التطرق إلى"مبادئها ومناهجها، واتجاهاتها وأعلامها"[26]، ونفهم من هذا التّحديد أنّ الخطاب اللّسانيّ التأسيسيّ من خلال مضامينه العامة يسعى إلى تشكيل مداخل، أو مقدّمات أو محاضرات، للمعرفة اللّسانيّة موجهة خصيصا للقارئ المبتدئ أو الجديد على هذا الميدان.

وإن شئنا التفصيل في ما أُجمِل من مباحث الكتابة اللّسانيّة التأسيسية أو التعليمية، فإنّه يمكن حصرها -بعد النّظر في ما تشترك فيه الكتابات اللّسانيّة التعليميّة-في الآتي:

1. التعريف باللّسانيّات كعلم هدفه الدراسة العلمية للغة.

2.المبادئ العامة للسانيّات مع التركيز على الثّنائيات السوسيرية المعروفة (لغة/كلام)، (دال/مدلول)، (دياكروني/سانكروني)، (محور التراكيب/محور الاستبدال).

3.               التعريف بفروع الشجرة اللّسانيّة أو التخصصات اللّسانية المختلفة مثل اللسانيات الاجتماعية، اللسانيات النفسية، اللسانيات التاريخية وغيرها.

4.التعريف بأهم الاتجاهات أو المدارس اللّسانيّة، وذلك بشكل يتسم بالعمومية، لا التفصيل.

5. التعريف بالمناهج ما قبل ظهور اللّسانيات: كالتاريخية والمقارنة، ثمّ مع ظهور اللّسانيات من بنيوية ووصفية وتفسيرية تعليلية.

ب- مضامين الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ التّراثيّ القرائيّ أو الشّارح:

تتحدد مضامين هذا الخطاب انطلاقا من آلية القراءة التي يعتمد عليها وطبيعتها أيضا، فإن كانت قراءة تروم الشرح والتبيان لما هو تراثي بغرض مساواته مع المنجز اللّسانيّ الحديث، فنكون أمام مضامين تختلف في جزئياتها لا في طابعها العام مع القراءة التي تبحث في التراث عما هو ثمين وقابل للانبعاث من جديد وذلك من باب إحداث تواصل بين قديمنا وحديثنا، على غرار ما يقوم به اللساني الجزائري الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح في إطار ما أصبح يعرف بالنـظرية الخليلية الحديثة.

ويمكن تلخيص مضامين هذا الصنف من الخطاب في الآتي:

1.التّعريف باللّسانيّات من منظور مغاير لمنظور الكتابة اللّسانيّة التّأسيسيّة أو التّعليميّة؛ حيث أنّ الأولى تسعى إلى بناء هذا التّعريف من داخل التّراث وليس من داخل المعرفة اللّسانيّة، فإذا كانت اللّسانيّات عبارة عن النّظر العلميّ في اللّغة، فإنّ فحص التّراث سيكشف هو أيضا عن نظر علميّ، ووعي أصوليّ بالظّاهرة اللّغويّة.

2.التّعريف بموضوع اللّسانيّات وهي اللّغة، وذلك بالكيفيّة نفسها التي يُعرض بها العلم اللّسانيّ؛ مع التّركيز على تعريفات القدماء للغة، كتعريف ابن جنّيّ للغة الّذي صار نصّا، لا تخلو منه أيّة كتابة لسانيّة تراثيّة.

3.تناول الظّاهرة اللّغويّة من قبل بيئات معرفيّة تراثيّة مختلفة إذ لا يكتفي أصحاب هذا الاتّجاه، بمقارنة نتائج البحث اللّسانيّ انطلاقا مما أنتجه النّحاة أو اللّغويّون عموما، بل يتعدّى شأن المقارنة والقراءة والشّرح إلى بيئات أخرى، كالفلاسفة وعلماء الدّين والنّقاد وغيرهم.

4.الإشارة إلى احتواء التراث على بعض التخصّصات اللّسانيّة المعروفة، فعلم الدّلالة مثلا، تناوله القدماء من خلال أكثريّة مباحثه وإن لم يكن ذلك بالتّسميّة نفسها، فضلا عن إشارتهم أيضا إلى تناول البحث اللّغويّ القديم لبعض ثنائيّات الدّرس اللّسانيّ الحديث.

ج- مضامين الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ المتخصّص أو العلميّ:

تتميّز مضامين هذا النّوع، بالانخراط المباشر في طلب الخطاب اللّسانيّ العالميّ، ومحاولة مواكبته من حيث ما يتوصّل إليه من نتائج، وما يتوسّل به من مناهج، وهو أقرب الأنماط اللّسانيّة المغاربيّة المذكورة إلى الممارسة اللّسانيّة المطلوبة من خلال اعتماده"اللّغة العربيّة موضوعا يشتغل به ويتمحور حولها كل اهتمامه، ويتم النّظر للغة العربيّة باعتبارها نسقا صوريّا أو وظيفيّا يمكن وصفه أو تفسيره في مختلف المستويات المعروفة في التّحليل اللّسانيّ الحديث"[27](27)، وعليه تحدّدت مضامين هذا الخطاب باعتقادي في نقطتين هما:

1.نقد نمطي الخطاب اللّساني السّالفين وبخاصة الخطاب اللّساني التّراثي، باعتبار إمّا أنّهما لا ينتجان كفاءات علميّة في مجال اللّسانيّات، أو أنها لا تعني واقع البحث في اللّغة العربيّة بشيء مهم.

2.محاولة تقديم بديل نظري ومنهجي، يسمح بإعادة بناء نحو جديد لغة العربيّة، على أساس أنّ الجهاز التّفسيريّ للغة العربيّة والذي اقترحه القدماء قد نقد من عدة مواضع، إلى جانب اعتقاد أصحاب هذا الاتّجاه، بعدم صلاحيّته وتجاوز الزّمن له، وهنا يتنزّل التيّار التوليديّ التّحويليّ، ممثلا في أعمال الفاسي الفهري وتلامذته، إلى جانب التيّار الوظيفيّ كما تعكسه أعمال الباحث المغربيّ أحمد المتوكّل.

د- مضامين الخطاب اللّسانيّ المغاربيّ النقديّ:

غاية هذا النّوع هو تتبع النّشاط اللّسانيّ المغاربيّ، ومحاولة نقده وتقويمه، وعلى الرّغم من قلّة مثل هذه الكتابات التي تعكس أبعاد هذا الاتّجاه من الكتابة اللّسانيّة المغاربيّة العربيّة فإنّه يمكن رصد مضامينه التاليّة:

1.الاستعراض التّاريخيّ لنشأة البحث اللّسانيّ العربي عموما.

2. نقد الأسس النّظريّة والمنهجيّة لنماذج الكتابة اللّسانيّة المذكورة آنفا.

3.   استشراف الأبعاد الجديدة للبحث اللّسانيّ المغاربيّ.

خاتمة:
لقد سعينا من خلال هذا العمل المتواضع في محاولة رسم الملامح العامة للخطاب اللّسانيّ المغاربيّ عبر التّعريف به، وشتّى الاتّجاهات التّي تشكّله، إلى جانب مضامين أو مواضيع هذه الاتّجاهات، وإن كنّا نعترف مبدئيّا بكون العمل قد يكون مغفلا لجوانب على حساب أخرى والاختصار دون البسط، وغير ذلك مما تفرضه بعض المقامات.

الهوامش والإحالات:

[1] - الخطاب اللساني العربي بين التراث والحداثة: بشير إبرير، مجلة الرافد، العدد:47 السنة،2001 ص87.

[2] - مباحث تأسيسيّة في اللّسانيّات، عبد السّلام المسدّي، مؤسّسات عبد الكريم بن عبد الله للنّشر والتّوزيع، تونس، ب ط.

[3] - نشأة الدرس اللّسانيّ العربيّ الحديث، دراسة في النّشاط اللسانيّ العربيّ: فاطمة الهاشميّ بكوش، إيتراك للطباعة والنّشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2004، ص12 وما بعدها.

[4] -- ما وراء اللّغة، بحث في الخلفيّات المعرفيّة، عبد السّلام المسدّي، مؤسّسة بن عبد الله للنشر تونس، 1994، ب ط، ص44.

[5] - أنظر: أشغال ندوة اللّسانيّات واللّغة العربيّة، مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، سلسلة اللّسانيّات، تونس، 1978.

[6] - أنظر الملتقى الدوليّ: اللّسانيّات في خدمة اللّغة العربيّة، مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، سلسلة اللّسانيّات، تونس، رقم5، 1981.

[7] - أنظر الملتقى الدوليّ الثّالث في اللّسانيّات، مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، سلسلة اللّسانيّات، تونس، رقم8، 1983.

[8] - أنظر: تقدّم اللّسانيّات في الأقطار العربيّة، الرّباط، 1987.

[9] - اللّسانيّات العربيّة الحديثة، دراسة نقديّة في المصادر والأسس النّظريّة والمنهجيّة: مصطفى غلفان، جامعة الحسن الثاني- عين الشق، سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 4، الدار البيضاء، المغرب، ب ط، ب ت.

[10] - المصدر نفسه، ص90.

[11] - اللّسانيّات في الثّقافة العربيّة وإشكالات التلقي: حافيط إسماعيلي علوي، أطروحة لنيل الدكتوراه، كلية الآداب بنمسيك، البيضاء.

[12] - نفسه

[13] - اللّسانيّات العربيّة الحديثة: مصطفى غلفان، ص 131 وما بعدها.

[14] - من الكتابات اللّسانيّة النّقديّة العربيّة والمغاربيّة نذكر:

1. اللّسانيّات العربيّة الحديثة: مصطفى غلفان (المغرب).

2.   تجليات تلقي اللّسانيّات في الثّقافة العربيّة الحديثة، حافيظ إسماعيلي علوي (المغرب).

3.   المساجلة بين فقه اللّغة واللّسانيّات: ألفة يونس (تونس).

4. نشأة الدرس اللّسانيّ العربيّ الحديث: فاطمة الهاشمي بكوش (مصر).

[15]- اللّسانيّات في الثّقافة العربيّة الحديثة: حافيظ إسماعيلي علوي، مجلة اللسانيات واللغة العربية، العدد 02/2007.

[16] - أنظر: النّص القرائيّ بين المرغوب فيه والمنجز، مليكة بوراوي: مجلّة اللّغة العربيــّة، المجلس الأعلى للّغة العربيّة، ع:14، الجزائر، 2005، ص 81 و ما بعدها.

[17] - أنظر: التّرجمة في تجربة المغرب العربيّ؛ علي القاسم، مجلّة اللّغة العربيّة، المجلس الأعلى للغة العربيّة، الجزائر، 2002، ص43 و ما بعدها.

[18] - قضيّة البنيويّة: عبد السّلام المسدّي، دار الجنوب للنّشر، تونس، ب ط، 1995، ص12.

[19] - أنظر: التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة: عبد السّلام المسدّي، الدّار العربيّة للكتاب، ط1، 1981

[20] - مباحث تأسيسيّة في اللّسانيّات: عبد السّلام المسدّي، مؤسّسات عبد الكريم بن عبد الله للنّشر والتّوزيع، تونس، ب ط، ص30.

[21] - نفسه، ص30.

[22] - نفسه، ص30.

[23] -- المساجلة بين فقه اللّغة واللّسانيّات: ألفة يوسف، دار سحر للنّشر، تونس، ط1، 1997، ص 80

[24] - اللّسانيّات العربيّة الحديثة: مصطفى غلفان، ص 131 وما بعدها.

[25] - اللّسانيّات في الثّقافة العربيّة الحديثة وإشكاليّات التلقّي: حافيظ إسماعيلي علوي، مرجع مذكور.

[26] - نفسه.

[27] - اللّسانيّات العربيّة الحديثة: مصطفى غلفان، ص 92.
...................
المصدر 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات