التركيب اللغوي للأدب بحث في فلسفة اللغة والاستطيقا pdf
تحميل كتاب التركيب اللغوي للأدب بحث في فلسفة اللغة والاستطيقا pdf
هذا كتاب يحمل إلى العربية فكراً جديداً تستقيم فيه لعلم الأدب طريقته ، فقد طالما انحرفت به الأقلام إلى غير موارده ، فتورات حقائقه وعقمت مادته واضطرب نسقه . أرهقته البلاغة بمنطقها السوري الذي فتنت به الحقائق الشعرية ، وأغرقه طوفان التاريخ والجغرافية في متاهات من السهول والجبال والعصور والأجناس ، والتوى به علم النفس إلى غير غايته ، وأفضى به علم اللغة والنحو إلى طريق مسدود . ثم توزعته الأهواء فلم تصح فيه نضية ، وتناثرت على جانبيه الأوهام فلم تستبن فيه مسألة . مطابع تدفع ، ورءوس تبلع ، وأقلام تنطلق فيما تعرف ومالا تعرف ، وحيرة سابغة تغمرها شمس عمياء !
وكل حزب بما لديهم فرحون : اللغوى بألفه التي أميلت ، والنحوى بعركته المقدرة التي منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد ، والبلاغي بلوازمه التي ترمز إلى المشبه به المحذوف ، والتاريخي بعيون الخلفاء التي سملها الأتراك ، وصاحب علم النفس بتجاربه النفسية ، وكراسي الاعتراف التي أخذ الشعراء فيها بالخناق ، وشذ منهم الوثاق .
وإذا قيل لأحدهم إن البشرية تلتمس في شعر شعرائها أصواتها الخالدة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان هز كتفيه ، وقال : وجهة نظرا لها عندنا ما يعدلها في أبواب المعارف والعلوم . يركبون بذلك مطية من القول « بتكافؤ الأدلة ، كان قد ركبها أسلاف هم من قبل ، ولم تُفض بهم إلا من عثرة إلى عثرة .
↚
وما بذلك تُصحح الأوهام وتسدد الغايات ، والعلم تحقيق لا تلفيق كتلفيق حاطب الليل ، يخالف بين عبد القاهر وكروتشه ، أو بينه وبين سوسير ، فيضع قبعة هذا على رأس ذاك ، ويثبت عمامة ذاك على رأس هذا ، ويقول الأول : كن كروتشه ، وللثاني : وأنت ، كن عبد القاهر . وتحقيق لا كتحقيق الذين يسوّدون صحائف بيضاء كانت من قبل صفراء ، أو يتولونها بالتنقيح والتهذيب والتيسير ، وكل ما يدخل في هذا الباب من مسكنات توضع في قراطيس ، تبدي شيئاً ، وتخفي أشياء .
وإنما هو الفعل الذي عرّفه القوم بأنه إثبات المسألة بدليل ، فهذه سبيل المعرفة التي هيأ الله البشر لتلقيها ؛ والتناقض في سياقة الحقائق وإثباتها شيء تعافه الفطرة ، ويلفظه النظر السليم ، وللإنسان قوة يميز ابها الخبيث من الطيب ، وفيه إدراك يحس معه وجود العلم البديهي الذي يهدي إلى الحق ، وينأى به عن الباطل ، ولديه وعي يسدده إلى الخير ، ويبث فيه سكينة ، إن كانت لا ترقى إلى سكينة عمر فيما قاله عبد الله بن مسعود : و كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر ، فإنها سكينة على أي حال ، لأنها من شأن الإنسان و علوم اللغة والأدب في العربية قد أصابها من الجمود والتحجر ما أصاب سواها من علوم الثقافة الإسلامية ، حتى عجزت عن الوفاء بما تقتضيه القيم الروحية للعصر الذي تغمرنا آياته . وليس بالقليل ما بلغته البشرية من تقدم في العلوم الإنسانية ، بل هو يعدل في روعته ماتجنيه من ثمرات العبقرية التي حملت الإنسان إلى أجواز من الفضاء يجاور النجوم ، ويطاً القمر بقدميه ، ويأخذ حفنة من ترابه . . والعجب ممن يستجيزون لأنفسهم الاستراوح إلى مشاهد التليفزيون من معالم الحياة في بقاع نائية من الأرض ، وهم جالسون في مكانهم لا يبرحونه ، ثم إذا قيل لهم :
إن تعلم النحو لم يعد يعول فيه على مثل المقولات التي تعولون عليها ، والشواهد الشاذة على طريقة الأقدمين ، وعلم الأدب لم يعد يغنيه إجراء التشبيه والاستعارة ، والإلمام بكلام قدامة وابن رشيق ، قالوا : العربية وعلومها من واد آخر ، ولا يجرى عليها ما يجري على سواها من علوم الأمم الأخرى ونظرياتها ؛ وإنما مثل هؤلاء كمثل من يترك طبيب الأسنان ويذهب إلى حلاق القرية ليخلع له ضرسه من غير تخدير ، وما نحسبهم يرضون بذلك ويحتملون آلامه !
تحميل كتاب التركيب اللغوي للأدب بحث في فلسفة اللغة والاستطيقا pdf
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق