اتجاهات الشعر العربي المعاصرمجلة عالم المعرفة pdf
اتجاهات الشعر العربي المعاصر
كانت النية تتجه حين أخذت في رسم حدود هذا البحث أن يكون دراسة مبسطة موجزة ، ولكن المطلبين : التبسيط والإيجاز قد يقعان في تعارض أحيانا ، فالتبسيط مثلا يتطلب القدر اليسير من الأحكام النظرية والقواعد الفكرية ، والإكثار من الأمثلة والمقارنات ، والإيجاز يعني الاكتفاء بأمثلة قليلة . ثم أن التبسيط في ميدان مثل ميدان الشعر المعاصر ناشب طواعية في أنواع مختلفة من الصعوبات ، قد يكون غاية في ذاته ، حين يراد تقريب هذا الشعر للقراء ، ولكن هذا لا يعني أن « عملية التبسيط سهلة ، أو أنها ممكنة في بعض المواقف . ثم أن من يريد أن يكتب بحثا في اتجاهات الشعر المعاصر ، يحتاج إلى أن يكون بين يديه دراسات عن أفراد الشعراء ، والا ذهب كما ذهبت يدرس كل شاعر على حدة ، ليستخلص من تلك الدراسة المطولة بعض الظواهر التي يدرجها تحت عنوان الاتجاهات ، وهذا يعني أن البحث المبسط قد استغرق جميع الجهد المبذول والوقت الطويل في عدد كبير من دراسات غير مبسطة .
ثم أن تقريب بحث ما إلى اكبر عدد ممكن من القراء يعتمد على المنهج نفسه الذي اختاره المؤلف وقد اخترت منهجا لا يعد في نظري أبسط المناهج في العرض والتوضيح ، وان حاولت أن أجعل المحتوى واضحا بقدر الإمكان ، ذلك أني وجدتني أقف بين
أمرين : بين أن اختار طريقة مألوفة في دراسة الشعر : من خلال الاتجاه السياسي ، أو الاتجاه القومي ، أو الاتجاه . . الخ ، وبين أن أكون أقرب . . المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس . إلى روح الشعر الحديث من حيث اعتماده العمق النفسي والفكري ، فاخترت الثاني ، لان النوع الأول من الدراسة يحيل الشعر إلى وثائق ، دون أن يركز البحث حول فكرة - أو أفكار - معينة ، فيغدو أشبه شيء بالعرض التاريخي والوصف السطحي ، لمظاهر ، لا يعد الشعر أهم شواهدها أو وثائقها ، وقد يكون المنهج الذي اخترته وثائقيا إلى حد ، ولكنه متصل بحقيقة الشعر ، لا بحقيقة التاريخ ، ومحمله الفكري أعمق ، والقدرة فيه على اكتشاف الفعاليات الفكرية والنفسية أرحب مجالا ، ورغبة في تجنب « الوثائقية » المحض ، وجدتني في الغالب أقف عند النماذج التي أجدها ذات قيمة فنية في ذاتها إلى جانب ما قد يكون لها من قيمة « وثائقية » ، وكل باحث يعرف أن الشعر حين يستخدم وثيقة يستوي فيه الجيد والرديء ، بل كثيرا ما تكون النماذج الرديئة اكثر دلالة حين يستشهد بها ، لأنها أكثر طواعية وأبعد عن حذاقة ، الفن ودقته . وقد كان هذا النهج الذي أخذت به نفسي ، مصدرا الصعوبة جديدة ، لا أعني بذل الوقت الطويل في الانتقاء ، وإنما أعنى الصعوبة التي تقف عائقا دون التبسيط المراد .
تعليقات
إرسال تعليق