القائمة الرئيسية

الصفحات

قدامة بن جعفر: نقد الشعر




كتاب قدامة بن جعفر: نقد الشعر 

 استعملت اللغة العربية لفظ النقد لمعان مختلفة : 

الأول : تمييز الجيد من الرديء ، قالوا : نقدت الدراهم وانتقدها : أخرجت منها الزيف وميزت جبدها من رديئها ، ومنه : التنقاد والانتقاد وهو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها . 

والثاني : العيب والانتقاص ، قالت العرب : نقدته الحية إذا لدغته ، ونقلت رأسه بأصبعي إذا ضربته ، ونقدت الحوزة أنقدها إذا ضربتها . وفي حديث أبي الدرداء : إن نقدت الناس نقدرك ، ومعناه : إن عبتهم وجرحتهم قابلوك بمثل صنعك . واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد ( ۱ ) بالاستعمالين لنقد الكلام شعره ونثره على السواء ؛ وبدأ ظهور ذلك في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب يقول البحتري عن أبي العباس ثعلب : ما رأيته ناقدة للشعر ولا مميزا للألفاظ ، ورد عليه آخر فقال أما نقده و نمیپزه فهذه صناعة أخرى ولكنه أعرف الناس بإعرابه وغريبه ( ۳ ) ، وألف قدامة كتابيه : نقد الشعر ، ونقد النثر ، وألف ابن رشيق و العمدة في صناعة الشعر وتقده . وسار النقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين : 

١ - استعملوه في القديم وفي الحديث على معنى التحليل والشرح والتميز والحكم ، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها و موازنتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة ، ثم الحكم عليها بيان قيمتها ودرجتها ، وأكثر الذين كتبوا في النقد العربي مشوا على هذا المعنى " . ۲ - واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطيء ، نألف المرزباني كتابه الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء ،، ويريد بالعلماء النقاد ، ولا يزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين ، ويقابله التقريظ وهو المدح والإعجاب من قرظ الجلد إذا دبغة ، وذلك إنما يكون للتحسين والتزيين.

 ويعرف المحدثون النقد - بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي - فيقولون : إنه التقدير الصحيح لأي أثر في و بيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه ، فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق الحكم ، وهو مفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في أشدها عموما ) ، والنقد الأدبي في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب و تمييزها على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع وهو منحى الكاتب العام وطريقته في التأليف والتعبير والتفكير والإحساس على السواء . فللنقد مهمتان مختلفتان ، مهمة التفسير ، ومهمة الحكم ، أي إصدار الأحكام الأدبية في قضايا الأدب ومشكلاته .

تستصحب  اسبابها .. شأن الأحكام العامة التي يرشد إليها الأرق ، ويكون الفطرة الأدبية مدخل فيها ، دون أن تتأثر بنزعة علمية ، أو منهج عقلي ، أو أسس موضوعة . 

كذلك كان شأنه في الأدب في العصر الجاهلي ، حكم دون تعليل ، لأن أحكام الذوق والفطرة التي لم تسترشد بمناهج أو أصول موضوعة لا بد أن تكون كذلك . ثم أخذ يرتقي العقل ، وينضج الحس الأدبي و بر تفع مستوى الملكات ، وبدأ العقل لا يقنع بأن يرسل إرسالا دون حه توضيحا ، فأخذ بومیء من بعيد وعلى سبيل الرمز والتلويح إلى السبب وبعد أن بدأ تدوين العلوم والثقافات ، وأخذ العقل العربي يضع أصولا للبيان والنقد ، بدأت أحكام النقد تصطبغ بصبغة علمية موضوعية ، فالحكم بجانبه السبب والعلة ! والنقد يحمل معه طابع التوجيه والتعليل للوصول إلى أحكام موضوعية ...

تحميل الكتاب 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات