التمثيل الحجاجي في كتاب"كليلة و دمنة" لابن المقفع ـ مقاربة تداولية
التمثيل الحجاجي في كتاب"كليلة و دمنة" لابن المقفع ـ مقاربة تداولية
تُعدّ الأمثال من التقنيات الحجاجية التي يسوقهاُ مستعملوها للتدليل على صحة آرائهم وأفكارهم؛ بما تنبني عليه من تصويرية ورمزية تعطيها طابع اللاَّمباشرة، هذا الطابع الذي يعزز بعدها الحجاجي ويعمقه، وهذا العمق ينكشف في المدونات المثلية الشهيرة؛ التي اعتمدت آلية التمثيل وسيلة للتعمية عن آرائها الصريحة. لكنها في الوقت نفسه رسالة واضحة وسافرة لكل من يحسن فكَّ شفرتها وقراءتها على وجهها الصحيح.
وفي هذا الإطار، كان التمثيل الحجاجي في "كليلة ودمنة"، آلة "ابن المقفع" الحجاجية، والتقنية الأمثل التي صاغ فيها أفكاره، وعمَّى بها في الوقت نفسه عن الأساسي والخطير منها.
وتقنية التمثيل الحجاجي - في شكلها التوصيلي هذا - لا تُقرأ إلا من خلال تفكيك أشكال تمظهرها في الكتاب، والتي من بينها: التمثيل الحجاجي التداولي.
فكتاب "كليلة ودمنة" يصنف ضمن كتب الحكايات المَثَلية؛ التي تتخذ صيغة التمثيل طابعا لها. والتمثيل بوصفه آلية حجاجية تبناها "ابن المقفع" في توصيل مجموع حكمه وخبراته، أو-لنقُل– وصاياه ونصائحه، جاء في صيغة توصيلية – تداولية مركبة تشعبت إلى مستويين:
1. مستوى إطاري يعكسه المبنى (الإخباري- السردي)؛ باعتبار الإخبار والتوصيل مفهوما واحدا تنتهي إليه شبكة التواصل.
2. مستوى حواري؛ باعتبار الحوار خاصية تداولية للخطابات الحجاجية تعكس تفاعل ذواتها مع محيطها الخطابي .
وقبل هذا لابد من المرور على مفهوم التمثيل كما جاء لدى كثير من المختصين قديما وحديثا.
ب- التمثيل الحجاجي:
1- مفهومه:
إن المقصود بالمثل هنا ليس المفهوم المتداول للأمثال، إذ ليس يعنينا كثيرا الانسياق وراء التفاصيل التي تبعد بنا عن جوهر الموضوع، إن ما يعنينا هنا – تحديدا – هو آلية التمثيل التي اختارها "ابن المقفع" لصياغة أفكاره وتوصيلها حجاجيا بأبعاد تداولية. ولا بأس أن نسوق هنا تفريقا بلاغيا بين المثل والتمثيل:
المثل قول موجز مشهور له مورد ومضرب يردد فيه، والتمثيل لا يشترط فيه الإيجاز ولا الشهرة، وليس له مضرب يذكر فيه وإن كان له مورد.
التشبيه في المثل يصدق على حالات كثيرة مشابهة، يحسن ترديده فيها، أما التمثيل فالتشبيه فيه مقصور على الحالة التي ورد فيها، أو الشأن فيه أن يكون كذلك.
المثلعند ترديده يصبح استعارة تمثيلية أو مجازا مركبا دائما يستعار فيه المورد للمضرب، أما التمثيل فليس يلازم فيه أن يكون مجازا، بل يجوز فيه ذلك والكثير من صوره لا تخرج عن التشبيه الحقيقي (تشبيه تمثيلي) استعملت فيه الألفاظ في حقائقها اللغوية.
تحميل البحث كامل
تعليقات
إرسال تعليق