القائمة الرئيسية

الصفحات

ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية



ماهية التناص:  قراءة في إشكاليته النقدية


ماهية التناص:  قراءة في إشكاليته النقدية

عبد الستار جبر الأسدي
يعرف بارت النص بأنه "نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من اللغات الثقافية السابقة أو المعاصرة التي تخترقه بكامله"  فهو يتحدث عن النص بوصفه جيولوجيا كتابات، منطلقا من مفهوم كرستيفا للنص التي ترى أنه "مبني على طبقات وتتكون طبيعته التركبية من النصوص المتزامنة له والسابقة عليه"، حيث تحلينا هذه التعاريف إلى مفهوم جديد في لغة النقد المعاصر هو التناص، إلى الدرجة التي يرى فيها الكثير من الدارسين حتمية التناص إزاء كل نص، معتبرينه "قانون النصوص جميعا" وأن "كل نص هو تناص". لأن النص الجديد يقوم بفهم وتمثل وتحويل النصوص التي سبقته، لذا فهو لا يستطيع الخلاص من الوقوع في شرك جدلية القراءة-الكتابة التي تعتبر مرجعية الإنتاج النصي، وتحدد علاقة النص الجديد مع النصوص الأخرى التي تفاعل معها، ولا يمكننا الكشف عن طبيعة هذه العلاقة إلا عن طريق التناص. يرى تودوروف أن من بين اللوائح التي يمكن وضعها لدى دراستنا نصا من النصوص هو حضور أو غياب الإحالة على نص سابق، فهذا النوع من لوائح الكلام يساعدنا على ضبط القراءة ويجنبنا مغبة إهمال العمليات المعقدة التي تكمن وراء نسيج النص". فالإحالة هي عبارة عن تقنية متجسدة في بنية النص الجديد يتفاوت حضورها أو غيابها حسب الآلية الإجرائية التي يستخدمها الكاتب. يؤكد ريكور أن النص ليس بلا إحالة، وستكون مهمة القراءة بصفتها تفسيرا متمثلة بإحداث الإحالة بالضبط"، ويشاركه غادامير وجهة النظر نفسها حين يشير إلى أن النص يكون إحالته الخاصة، وريكور يترك لقلمه حرية الانجراف وراء علاقة النص بالنص التي ينتج عنها كما يرى عالم النصوص أو الأدب الذي تتجلى فيه ظاهرة التناص منذ الخطوات الأولى لنشوئه. وقد اندفع بلوم تحت ضغط الأفكار التي روجتها مدرسة التحليل النفسي بريادة فرويد في بداية القرن العشرين إلى "إعادة كتابة التاريخ الأدبي من خلال عقدة أوديب". حيث يعتقد أن الشعراء يعيشون تحت هاجس القلق المستمر إزاء شاعر عظيم سبقهم سجلت قصائده حضورا تأثيريا لديهم، فيرى أن القصائد التي يكتبونها ليست سوى محاولة للخلاص من هذا التأثير وإزاحة ظل الشاعر العظيم والتنافس أو التماهي معه مثلما يفعل الأبناء الذين تطغى في لا وعيهم عقدة أوديب إزاء آبائهم، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة القصائد كلها باعتبارها إعادة كتابة لقصائد أخرى". إلا أن التناص في حقيقته وضمن إطار رؤيوي خاص، هو: مجموعة من آليات الإنتاج الكتابي لنص ما، تحصل بصورة واعية أو لا واعية بتفاعله مع نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه… إن كلمة التناص تحيلنا إلى ثلاثة مفاهيم هي (المصطلح، الظاهرة، المنهج)، سنفتح أبواب كل واحدة منها لنحددها بدقة ونرسم الفروق والاختلافات فيما بينها بوضوح، لأن أية دراسة نقدية في هذا المضمار عليها أن لا تخلط بين التناص مصطلحا وظاهرة ومنهجا بل أن تتعامل معها بدراية وتمحيص وأن لا تقع في دائرة التشويش الإجرائـي لها…
رابط البحث
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات