اللسانيات ونظرية التواصل
رومان جاكبسون
ترجمة: عبد الجليل الأزدي
يرى نوربير وينر(*) أنه لا يوجد "أي تعارض أساسي بين المشاكل التي يصادفها مهندسو قياس التواصل ومشاكل فقهاء اللغة2". والواقع أن الملاقي والتقاطعات لافتة جدا بين المراحل الأكثر راهنية في التحليل اللساني وفي صيغة مقاربة اللغة المميزة للنظرية الرياضية في التواصل. وبما أن كلا الحقلين المعرفيين يهتمان، بطرق مختلفة ومستقلة فوق ذلك، بالمجال نفسه، أي بمجال التواصل اللفظي، فإن اتصالا وثيقا بينهما يتبدى موائما لهما معا. ولا يطول الشك أن هذا التعاون سيثمر تدريجيا في المستقبل.
إن التدفق المتواصل ماديا للغة المنطوقة قد جعل نظرية التواصل تجابه في البداية وضعا غاية في التعقيد بكيفية مثيرة، أكثر مما هو عليه الأمر بخصوص المجموعة المنتهية من العناصر المنفصلة التي تمثلها اللغة المكتوبة3. ومع ذلك، توصل التحليل اللساني إلى تفكيك الخطاب الشفوي إلى سلسلة منتهية من وحدات الخبر الأولية. وهذه الوحدات الدقيقة التي تسمى السمات التمييزية يتم تجميعها في شبكات متزامنة تدعى صويتات، وهي بدورها تتسلسل لتشكل متواليات. ومن ثم، يمتلك الشكل في اللغة بنية واضحة ظاهريا وقابلة لوصف كمي.
يتحدد الهدف الأول لنظرية الخبر، مثلما صاغه د.م.مكاي(*) مثلا، في "عزل عناصر التصور المجردة عن سياقاتها الخاصة. ويمكن أن تظل هذه العناصر قارة عبر صياغات جديدة"4.
واللسانيات المماثلة لهذا الأمر يمثلها البحث في الصواتة عن الثوابت العلائقية. وقد ميز مهندسو التواصل بين محتوى الخبر البنيوي والإيقاعي. وبذلك دشنوا إمكانيات مختلفة ومفتوحة لقياس كمية الخبر الصواتي. ويمكن لهذه الإمكانيات أن تمنح اللسانيات التزامنية والتاريخية، على حد سواء، مواد نفيسة ستكون لها أهمية خاصة في تصنيف الألسن من منظور صواتي صرف، كما من منظور التقاطع بين الصواتة والمستوى المعجمي-النحوي.
لقد اكتشفت اللسانيات بكيفية متزايدة وجود مبدإ بنائي في قاعدة مجموع نسق السمات التمييزية للغة. وقد عزز مهندسو التواصل هذا الاكتشاف عبر استخدام علامات ثنائية (binary digits ou bits) بصفتها وحدة قياس. وعندما يعرف المهندسون الخبر الانتقائي لرسالة بصفته الحد الأدنى من القرارات الثنائية التي تسمح للمستقبل بإعادة بناء ما يجب أن يعلمه من الرسالة على أساس معطيات يمتلكها مسبقا5، فإن هذه الصيغة الواقعية قابلة للتطبيق تماما على دور السمات التمييزية للتواصل اللفظي. وطالما بدأ التعرف على القوانين الكلية عن طريق دراسة الثوابت، وطالما تمت محاولة تصنيف السمات التمييزية على أساس هذه المبادئ، فقد طرح د.كابور(*) في محاضراته عن نظرية التواصل6 مسألة ترجمة المقاييس التي اقترحها اللسانيون إلى "لغة رياضية وأداتية".
وقد ظهرت مؤخرا دراسة مفيدة أنجزها ج.أنكوير وتقدم محاولة تأويل رياضي للسمات التمييزية في بنيتها الثنائية7.
رابط البحث
تعليقات
إرسال تعليق