كتاب البديعيات في الأدب العربي نشأتها تطورها أثرها
تحميل كتاب البديعيات في الأدب العربي نشأتها تطورها أثرها pdf
فلعل أسوأ العصور حظاً ـ إن صح التعبير - واقلها عناية من حيث اهتمام الباحثين به ، هو العصر المملوكي والعثماني ، إذ لا يزال القسط الأوفر ما خلّفه النا دفيناً ، قد علاه غبار الزمن ، وأتت عليه العنكبوت . وكان الباحثين اليوم - او بعضهم - يخشون جقل الغبار إن أقدموا عليه وأخرجوا مكنونه ، ومن هنا كانت الأحكام التجلى على هذا العصر ، مما حمل بعضهم على تسميته بعصر ( الانحطاط ) ، تعصباً ـ إن شئت ـ أو جهلاً ، أو عجلة . والحق - عندي ـ أن هذا العصر لم يكن أقل من غيره عطاء ، فقد تعددت نتاجاته وتنوعت حتى شملت فنون المعرفة كلها ، من أدب وشعر ، وفلسفة وفقه وتاريخ . . وغيرها من العلوم .
ولأني لا استطيع الإحاطة بجوانب هذا العصر كله ، فقد اقتصرت في بحثي على دراسة ظاهرة شعرية فنية ، نبتت في هذا العصر ، واستوت على أشدها ، وانطلقت في رحلة امتدت نحواً من سبعة قرون ، استمدت من المدائح النبوية قوة تدفعها إلى الأمام ، ومن فن ( البديع ) زاداً يعينها على رحلتها الطويلة تلك ، هذه الظاهرة الطريفة هي ( البديعيات ) . والبديعيات - حدّاً - : هي مجموعة من القصائد ، ظهرت في القرن الثامن الهجري واستمرت حتى القرن الرابع عشر ، غرضها المديح النبوي ، وغايتها جمع أنواع ( البديع ) ضمن ابياتها ، نوع في كل بيت ، يصب ذلك كله في قالب من البحر البسيط ، وروي الميم المكسورة ، هذا القالب الذي اشتهر من خلال ( براة ) البوصيري ) . وقد حثني إلى هذا البحث حرصي على الإسهام في حركة بعث جانب من اجوانب تراث ذلك العصر المديد ، والعمل على توضيحه ، ووجدتني مندفعاً وراء هذا البحث الذي يمثل صبغاً من أصباغه ، أستقصي جوانبه ، وأستقريء مادته ، وأحاول الخروج منه بكل ما من شأنه أن يبرزه للناس سوياً .
وما زاد من رغبتي في متابعة هذا البحث تلك الوشائج المتينة التي تربطه بالتراث العربي الإسلامي الذي سبقه ، التي تمثلت في أكبر أغراض الشعر العربي ( المديح ) ، كما تمثلت في جانب من جوانب الذوق العربي الذي يجلو صورته فن ( البديع ) ثالث ثلاثة فنون هي عَمَد البلاغة العربية . ولذلك فإن دراسة هذا الفن الشعري الطريف تعني إحكام ربط التراث بعضه ببعض ، ( ۱ ) هذا تعريف اولي للبديعيات ، تجوزت في استعماله لانني اخرت الحديث عن تعريفها الدقيق قليلا عن البداية . إضافة إلى ما تحمله من جديد يضاف إلى عقد هذا التراث . . كما أن في هذه الدراسة ، ذات الصلة بالبلاغة العربية ، بارقة دعوة إلى الباحثين ليتوجهوا ، ما وصلوا إليه من معرفة ومقدرة وتقنية إلى دراسة البلاغة الباحثين ليتوجهوا ، با وصلوا إليه من معرفة ومقليرة وتقنية ، إلى
↚
البديعيات في الأدب العربي نشأتها تطورها أثرها
دراسة الباهه العربية دراسة جديدة ، تغوص في أعماق هذه البلاغة لتظهر دلالاتها الجمالية والنفسية ، وتجعلها مسايرة لروح العصر الحاضر من خلال ما تجده نافعاً وموافقاً من أنواع فنون هذه البلاغة . وبذلك نكون قد خدمنا هذا التراث بتقديه - عصرياً - لأبنائه بحلّة يقبلونه بها ، ويُقبلون عليه . واقتضت مني الدراسة أن أقسم البحث إلى بابين : ذكرت في أولهما نشأة فن ( البديعيات ) وتطوره ، وفي الثاني أثر هذا الفن في الأدب والنقد والبلاغة . وقد بنيت الباب الأول على فصلين :
الفصل الأول منه : خضضته بعلاقة ( البديعيات ) بفن البديع أولاً ، ثم علاقتها بالمدائح النبوية ثانياً ، وأظهرت تلك العلاقة ، وحاولت إحكام ربطها وتوضيحها من خلال ما وصلت إليه وتبين لي . ثم حاولت استنباط تعريف شامل ودقيق لهذا المصطلح ( البديعيات ) فاستعرضت مجمل الآراء التي قيلت فيه ، ومن ثم خرجت بتحديد لهذا المصطلح من خلال استقرائي لما بين يدي من نصوصه .
أما الفصل الثاني : فكان لرصد النشأة الأولى لهذا الفن ، مع تحديد صاحبها إذ تنازع مكان الريادة في ( البديعيات ) ثلاثة نفر من الشعراء ، حاولت قول كلمة الفصل بينهم ، وخلعت الأولية على صاحبها ، مستعيناً بما قدّرت عليه من أدلة وبراهين ، رددت فيها على من خالفته ، وأعنت بها من وافقته .
أمّا الفصل الثالث : فكان الدراسة أثر ( البديعيات ) في البلاغة والبديع خاصة والذي بينه انفصال علم ( البديع ) عن علمي المعاني والبيان ، وإشاعته بين الناس من خلال ( البديعيات ) ، والانتقال بالبديع من أحضان المدرسة الكلامية التي قيّدت البلاغة عامة بقواعد المنطق والفلسفة ، إلى بحبوحة المدرسة الأدبية التي تعتمد السهولة والوضوح ، وتتكيء على الذوق في ذلك .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق