أهداف الإعراب وصلته بالعلوم الشرعية والعربية
أهداف الإعراب وصلته بالعلوم الشرعية والعربية
ما من شك في أن اللغة العربية لغة بيان وإفصاح ، والسبيل الموصلة إلى ذلك البيان والإفصاح هو الإعراب ، وقد امتدت جذور هذه الظاهرة الضاربة في القدم لترتبط بجذور علوم متنوعة ، فللإعراب صلته الوثيقة بالعلوم الإسلامية تفسيرا وقراءات قرآنية وحديثاً و فقها ، وبالعلوم العربية بلاغة وأدباً ودلالة ففي مجال التفسير والقراءات نجد المفسرين قد جعلوا الإعراب أساساً مهماً في التوجيه المعنوي للنص القرآني ، وبيان الأسرار التي توحي بها الكلمة القرآنية ذات التقلبات الإعرابية وكان للقراءات أثرها في التعليل الأعرابي لتلك الكلمة . وفي مجال الحديث الشريف نرى الفقهاء قد اعتمدوا الإعراب في كثير من الأحكام التي استنبطوها من بعض الأحاديث ، فضلا عن أهمية الإعراب في إيضاح المعاني الأخرى التي يحملها الحديث . أما في مجال الفقه فإنا ألفينا جملة من الأحكام الفقهية قد قررها الفقهاء مقننى اختلاف الحركة الإعرابية ، وتمسك البلاغيون تمسكاً ملحوظا بالإعراب في إيضاح طائفة من النصوص العربية إيضاحاً بيانياً ، ودارسو علم الدلالة يقسمون هذا العلم إلى مستويات ومن بينها المستوى التركيبي الذي وجدوا فيه الإعراب من أقوى القرائن في التغيير الدلالي ، وهذا البحث يلقي الضوء على الصلة القائمة بين الإعراب وهذه العلوم من خلال أمثلة تطبيقية كان للإعراب أثره الفعال في فهم الحكم من النص العربي .
إن المزايا التي توشحت بها لغة القرآن الكريم كثيرة جداً ومن أبرزها ظاهرة الإعراب التي انفردت هذه اللغة بدوامها فيها ، فمن الثابت أن لغات سامية أخرى قد ملت هذه الظاهرة ولكنها منيت - مع تقدم الزمن - بفقدانها لها واختفائها منها لأسباب ليس هذا محل بيانها ف لم تحتفظ أكثر اللغات السامية بالنهايات الإعرابية " ( 1 ) . أما العربية فقد احتفظت بها سمة ( ( من أقدم السمات اللغوية التي فقدها جميع اللغات السامية - باستثناء البابلية القديمة - قبل عصر نموها وازدهارها الأدبي ) ) ( ) . قال بروكلمان : ( ( وقد ظل إعراب الاسم الموروث من قديم الزمان في اللغة البابلية القديمة كاملاً ، غير أنه ضاع بالتدريج شيئاً فشيئاً منذ وقت مبكر ، كما حدث ذلك في كل اللغات السامية الحديثة ، أما اللغة العربية - بحكم انعزالها في الجزيرة العربية - فظلت تحافظ على صيغتها القديمة وظواهرها اللغوية بما في ذلك الحركات الإعرابية ) ) ( ۳ ) . ولعل السر في ذلك أن الله قد فضلها على غيرها من اللغات ، ولذلك اختارها - في الأزل - لغة لكتابه الكريم وللشريعة الإسلامية التي كان ذلك الكتاب والسنة النبوية المصدرين الأساسين لها . وقد أصبح حكم تعلم الإعراب واجباً شرعياً ؛ لأنه من أهم الوسائل التي تفهم بها معالي النصوص الشرعية ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، قال ابن السراج الشنتريني ( ( إن الواجب على من عرف أنه مخاطب بالتنزيل ، مأمور بفهم كلام الرسول ( لا ) غير معذور بالجهل بمعناهما ، غير مسامح في ترك مقتضاهما - أن يتقدم فيتعلم اللسان الذي أنزل به القرآن ، حتى يفهم كتاب الله ، وحديث رسول الله ، إذ لا سبيل إلى فهمها دون معرفة الإعراب ، وتمييز الخطأ من الصواب ، لأن الإعراب إنما وضع للفرق بين المعاني . . . . فلو ذهب الإعراب لاختلطت المعاني ، ولم يتميز بعضها من بعض ، وتعذر على المخاطب فهم ما أريد منه ، فوجب لذلك تعليم هذا العلم ، إذ هو أود أسباب الفهم ، فاعرف ذلك ولا تحد عنه ، فإنه علم السلف الذين استنبطوا به الأحكام وعرفوا به الحلال والحرام .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق