كتاب البلاغة والسرد جدل التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ pdf
تقاطع في هذا الكتاب إشكالات متعددة ، كإشكال وصف الأجناس الأدبية العربية القديمة ، وإشكال قراءة النصوص وتأويلها ، وإشكال علاقة الأدب القديم بالأدب الحديث ، وإشكال مفهوم البلاغة في صلاتها بالأب أو السرد الأدبي وما يثيره من تعارض سائد اليوم بين مفهومي الحجاج والتصوير . إشكالات قد ينوه بحملها مثل هذا الحيز الضيق ، لكنها ضرورة املتها طبيعة الموضوع والغاية المبتغاة ؛ فنحن نتناول هنا جنسا أدبيا قديما ، وتروم الإسهام في فهمه وتعرف مشكلاته الحقيقية . ولا شك أن مثل هذا الطموح البعيد لا يريد الاكتفاء بالتوقف عند هذه الغاية العلمية التاريخية ، بل يستشرف آفاقا أوثق صلة بوضع الإنسان العربي المعاصر وحاجاته الأدبية والجمالية .
لقد سعيت في دراسة أخبار الجاحظ ، إلى المزارجة بين التفكير النظري في أحد الأجناس الأدبية السردية القديمة بوصف مكوناته الثابتة وسماته المتغيرة من جهة ، وبين تأويل نصوصه المغردة والكشف عن سماتها المخصوصة ودلالاتها وأبعادها المتميزة من جهة ثانية ، ولعل في هذه المزاوجة ما يحقق التكامل بين مختلف وجوه الدراسة الأدبية ، ويضعها على الطريق الصحيح ؛ فلم تكن بالنسبة إلينا الغاية العلمية النظرية المتمثلة في الكشف عن الطبيعة البلاغية لأخبار الجاحظ ، أقل قيمة من الغاية الإنسانية المتمثلة في التواصل مع التجربة الجمالية والإنسائية والتاريخية التي صورها الجاحظ في هذه الأخبار . بل إننا جعلنا هذه الغاية جوهر هذه الدراسة في سرد الجاحظ الذي تجنيئا تحويله إلى جملة من التقنيات الشكلية التي تعرضها علينا نظريات النص بسخاء ، وحرصنا على التعامل معه باعتباره المرة تفكير الجاحظ في العالم والحياة و الإنسان . فلم يكن الجاحظ في المقام الأول صنعا لتلك التقنيات ، بقدر ما كان يعبر عن تجربته في العالم الذي عاش فيه . ونحن إذ نقرا أعماله هنا إنما نتوخى التواصل مع هذه التجربة والتعلم منها ، ولا تتورع في هذا السبيل من استخدام كل الوسائل المنهجية المتاحة مهما تباينت منابعها ومراميها ، مادام الهدف من دراسة الأدب في نهاية الأمر تعميق المعرفة بالإنسان كما قال تودوروف . إننا نقرا أدب الجاحظ ونستمتع بنصوصه ونزولها لكي تزداد خبرتنا بالإنسان وسلوكه وأهوائه ، وليس التلقين دروس في هذا المنهج أو ذاك ؛ لأجل ذلك تجاورت في هذا الكتاب مناهج ونظريات ومفهومات شتى ، لم أجد أي حرج في الاستعانة بها في صياغة أفكاره مثل نظرية التلقي والأسلوبيات والسرديات وتداولية النص والبلاغة الحجاجية والبلاغة الأدبية . ولعل أهم فكرة حاول الكتاب مناقشتها وتطويرها من صلب نصوص الجاحظ هي علاقة البلاغة بالسرد ؛ وهي علاقة فرضتها طبيعة هذه النصوص الوثيقة الصلة بالبلاغة التي وسع الجاحظ دنياها لتشمل الحياة والخطاب أو العالم واللغة ؛ فالبليغ عنده ليس المتكلم الذي استجاب في إنجاز كلامه لمقاييس الرؤية البلاغية فقط ولكنه الإنسان الذي امتثل في سلوكه وتصرفاته وتفكيره لجوهر هذه الرؤية أيضا . كما أن فكرة العلاقة بين البلاغة والسرد في هذا الكتاب فرضها نقاش معاصر بين اتجاه يميل إلى حصر البلاغة في دراسة البنيات الحجاجية في النص ، " ومن ثم يشل أي فاعلية لها في دراسة المكونات السردية والتخييلية ، واتجاه مناقض يقرن البلاغة بدراسة البنيات الأسلوبية والسردية ولا يمنح الأولوية للوظيفة الحجاجية . أما منظورنا للبلاغة فإنه يقر بأن ثمة تلازما بين التصوير والحجاج ، ليس في أدب الجاحظ فقط ولكن في مطلق النصوص الأدبية ، كما يقر أيضا أن موضوع البلاغة درس العلاقة التي تنشأ بين النص والمتلقي سواء كانت علاقة نفعية أو علاقة جمالية .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق