كتاب علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي pdf
تحميل كتاب علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي pdf
إن الإسهامات اللغوية لأسلافنا المفكرين في التراث العربي ، لم ينل البحث فيها ما يستحقه من عناية واهتمام ، فما زالت مجالات كثيرة في التراث العربي للغوي بكراً تحتاج إلى نظرة لغوية علمية واعية وإن وجدت هناك أبحاث لغوية ذات قيمة إلا أنها محمولة على الرصيد المعرفي للتراث العربي ، وتجتر عطاء معرفياً لأسلافنا الباحثين ، ولم يخرج جهدها إذ ذاك من عملية نقل أو تصنيف دون أن يكون لروح العصر الحديث لمسات على هذا التراث ليبعث فيه التجديد . وفي غمرة الصراع بين دعاة الأصالة وأنصار المعاصرة يضيع البحث اللغوي ، ويتجرد من كل خلفية علمية حضارية ، فإذا نظرنا إلى المعول عليه عند دعاة الأصالة ، فإنه لا يعدو أن يكون جردا سلبيا رتيبا دون أدنى جهد لخرق تلك الرتابة والولوج داخل التراث المعرفي البحث بنيته الداخلية لكي يسهم في تحقيق النظرية اللسانية العامة ، أما فئة أنصار المعاصرة فإنها أقحمت المعطيات اللسانية الغربية في دراستها للظواهر اللغوية العربية ، دون أنني اعتبار لأصالة وخصوصيات الفكر واللسان العربيين وهذا الخلل المنهجي أحدث قطيعة معرفية بين التراث العربي والاحتياجات العلمية اللغوية للإنسان المعاصر ، وكان وراء التخلف في مجال البحث العلمي اللغوي المعاصر عند الدارسين العرب ، بينما إذا نظرنا - على سبيل المقارنة - إلى الفكر اللغوي الغربي فإننا لا نلمس تلك القطيعة المعرفية بين تراثه العلمي واللساني ، ومتطلبات العصر اللغوية ولذلك جاءت أبحاث الدارسين في الغرب ، امتداداً لجهود أسلافهم اللغويين وكانت نظرياتهم تتويجا التراكمات معرفية في تراثهم التاريخي إذا أردنا أن نؤسس فكرا عربيا معاصرا في مجال البحث اللغوي ، فإننا ملزمون ضرورة بالقيام بعملية جرد للفكر اللغوي لتراثنا العربي ، وتمحيصه وتحديد مجالاته و فرز عطاءاته الإيجابية وسقطاته على
↚
مستوى الأسس المعرفية في الموضوع و المنهج ، وهذا لا يتم الا بعودة تقويمية حضارية الى الفكر العربي بشكل عام ، والفكر اللغوي بشكل خاص ، وتتم هذه العودة عبر تتبع المسار التطوري للدرمل اللغوي عند العرب الأقدمين والبحث عن الأسس المعرفية و الفلسفية التي انبنى عليها التراث الفكري العربي ، وذلك بربطه بالعلوم الإنسانية المختلفة ، فنحفظ أصالة تراثنا المعرفي ونقف على المنهج الفكري الذي كان يشرف على تأطير الأبحاث والدراسات في هذا التراث ، وبذلك يتحقق مشروع النظرية اللسانية العربية المعاصرة ، ويظهر منهجها في مجال العطاء الفكري الإنساني ، وبالتالي تكون شرعية النشاة على المستوى المعرفي .
هذا المشروع اللساني العربي لا يستقيم له أمر إلا إذا أخذنا بما حققته النظريات اللسانية الغربية ، واستوعبنا مادتها استيعاباً واعيا ، وحاولنا تكييف هذه النظريات م ع خصوصيات اللسان العربي في المجالات المختلفة ، وأجرينا إسقاطات منهجية على التراث اللغوي العربي بعد تقويمه وتمحيصه من أجل بعثه بعثا جديدا وإعادة صياغته صياغة تدفعه لمواكبة التطور الحضاري للمجتمع البشري ، مع ضرورة الأخذ بالمناخ الفكري الذي ساد نشاة وترعرع الفكر اللغوي العربي ، " لأن فهم المنهج العربي في أي علم من العلوم العربية التراثية ينبغي أن يلتمس من داخل الحياة العقلية العربية ومن خلال المناخ العقلي العام الذي نشأ وتطور وتأصل في ظل القرآن ، فمن المعلوم أن المفكرين المسلمين بدأوا بما هو عملي قبل أن يصلوا إلى وضع المنهج نظري " لكل فرع من فروع البحث ، وكانت مثلا - قراءة القرآن عن طريق التلقي والعرض أسبق من وضع كتب تحدد منهج القراءات . . .
فإذا تحققت هذه العملية في إطارها العلمي المنهجي ستؤدي حتما إلى تفكير لساني حديث تتمخض عنه نظرية لسانية عربية قادرة على تقديم التفسير الكافي لكل مستويات الدراسة اللغوية الصوتية والتركيبية والدلالية بهذه الطريقة تربط الفكر اللغوي العربي القديم بالفكر اللساني العالمي الحديث ، لأن التحول العلمي للنظرية اللسانية في العصر الحديث أضحى يتوخى الشمولية في التعامل العلمي مع الظاهرة اللغوية ، بوصفها طبيعية إنسانية . قد تغطي اهتمامات الإنسان المعاصر ، إذ لم تعد تعترف بالحدود المعرفية مع انتقال العالم اللساني إلى بحث اللسان البشري بحثا موضوعيا متخذا اللغة الإنسانية مادة للتطبيق باعتبارها تخضع لنواميس متجانسة تسمح بوضع منهج لساني عام يشمل كل اللغات ، وبمثل هذا التعامل الواعي نحمي تراثنا اللغوي بأن تنفخ فيه من روح العصرنة والحداثة فينبعث اليساير التطور الإنساني في كل مجالات الفكر العلمي ، ونعيد الصلة التي انبتت بين تطلعاتنا الفكرية اللغوية المعاصرة ، والجهود النظرية المنهجية التي أغني بها أسلافنا تراثنا المعرفي .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق