تيار الوعي في رواية التفكك لرشيد بوجدرة
تيار الوعي في رواية التفكك لرشيد بوجدرة pdf
لقد ظل الرقي الحضاري ولأمد بعيد يقاس بمآثر الأسلاف من بنايات ومشاريع تشهد على خلودها ، وما حفظته الذاكرة من آداب ، تثبت وجود هذا السلف . إذا اهتمت البشرية في بداياتها بالظاهر وغيب العمق والباطن إلى أن تطورت المعرفة الإنسانية ، فاهتمت بتفاعل الذات مع الآخر ، ومن ثم الذات مع نفسها ، فكان الانفتاح والإبداع ، انفتاح على الذات الموغلة في العزلة . وقد عملت الآداب جميعها في هذا المضمار ، وجاء تيار الوعي ليبرز في ميدان الرواية الحديثة شكلا جديدا يعبر عن هذه الأزمة التي تعيشها الإنسانية في شرنقتها ، جاء اليطلق العنان لتدفق الأفكار ، تدفق السيلان ، وليغوص في مكان ومنبع هذا التدفق ، في النفس البشرية ، في المكبوتات . لكشف هذا الكيان النفسي للشخصية . ومع تجاذب الفنون لمثل هكذا أزمات جاءت الرواية بصفة عامة وفي الجزائر بصفة خاصة علامة فارقة مميزة ، استطاعت حمل لواء هذا التجاذب رائدة ، بأسماء جزائرية زاحمت - ولازالت - كبار كتاب الرواية العالمية من أمثال محمد ديب ، كاتب يسين ، الطاهر وطار ورشيد بوجدرة والبقية الباقية أتية فضيلة فاروق ، أحلام مستغانمي . . . إلخ .
ويضاف إلى هذا الدافع دوافع أخرى منها ما هو موضوعي ، وما هو ذاتي ، فمن الدوافع الموضوعية ، إيماني دائما وأبدا - وعبر مساري التعليمي - بأن الدراسات الجزائرية من أبناء الجزائر حري بها أن تنصب على الأدب الجزائري من باب الوطنية التي تفرض علينا الانفتاح على الآخر تأثيرا وتأثرا ، لا أن نبقى دائما متأثرين .
ثم إن قلة الدراسات المهتمة بالرواية الجزائرية محليا وعربيا تبعث في النفس الشك - أمام جودة و عالمية بعض هذه الروايات - بالانتقاصة . وقلة هذه الدراسات على الأقل من منظور الحداثة كتيار الوعي ، وإذا تحدثنا عن رواية التفكك فالقول بانعدام الدراسات عنها وحولها يكاد يكون مؤكدا .
أما عن الدوافع الذاتية ، فأوعزها إلى الميل الطبيعي للرواية قراءة ودراسة كرافد معرفي إضافي ، ناهيك عن الخلفية الوجدانية المتكونة لدي عن الأدب الجزائري أثناء دراستي الجامعية والتي وطدت صلتي بأكبر أعلام الرواية فيه وبخاصة رشيد بوجدرة ، الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة ، هذا الأخير من خلال روايته " نهاية الأمس " شكل عنوانا لبحثي التخرجي بشهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها ، لتأتي الآن محطة بوجدرة .
أما عن التفكك وصاحبها ، فإنها شكلت مأزقا للدارسين العرب التقليديين ، حيث تخطت حدود الرقابة الفنية ، والدينية ، إذ هي رواية عقوق وتمرد على تاريخ الكتابة العربية في الجزائر إن لم نقل في الوطن العربي.
ثم هي التفكك - رواية مغرية بما فيها من جوانب مظلمة أماطت اللثام عن مكنونات الجوانب الذهنية والشعورية للشخصية - حتى مع المقدسات كالثورة وهذا لا يتسنى إلا من خلال تقنيات تيار الوعي .
أما عن بوجدرة فالحديث يطول ، لماذا ؟ بوجدرة شخصية روائية مثيرة للجدل ، من حيث أنه كروائي تحرر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة الثالوث المحرم الجنس ، الدين ، السياسة أو الطابوهات التي كرستها الكتابة القديمة . بوجدرة علامة ورقم بامتياز هوجم ورفض ممن تركهم قراء ونقادا باللغة الفرنسية ، وهاجمه ورفضه من عاد إليهم قراء ونقادا باللغة العربية وكانت رواية " التفكك " المفصل والإنعطاف بين اللغتين .
تعليقات
إرسال تعليق