البلاغة العربية والبلاغات الجديدة
تحميل كتاب البلاغة العربية والبلاغات الجديدة pdfكانت الدراسات الأدبية والنقدية تتوزع عبر أقاليم عديدة من خريطة المناهج والعلوم ، تتزاحم فيما بينها ، وكل إقليم يدعي الشرعية أمام الآخر ، ولكن المقاصد المشتركة لهذه الدراسات كانت تنطق بلسان الحقيقة أن هذه الأقاليم كانت المملكة واحدة ، تناساها الدارسون ، وغابت معالمها عنهم بفعل الزمن والظروف ، وفي الفترة الأخيرة ، وبعد تحقيق في مساءلات الدراسات النقدية والأدبية ومن أين وإلى أين تسير ركابها ؟ وأين تصب روافدها ؟ ظهرت معالم المملكة القديمة من جديد بفضل أعمال التنقيب والحفر عن تاريخ طبقاتها ، والبحث عن أساساتها ، واتضح أن الاتجاهات المتنازعة حول حمى النص والخطاب ، لا تكتسب شرعيتها إلا من خلال ضبط أصولها وتصحيح علاقاتها مع الإمبراطورية الأم التي ما ثبتت وعادت إلا وفي نفسها أمرُ ، لقد عادت البلاغة ، ليس من أجل أن تقصي المالك المتعددة التي قامت نيابة عنها في زمن تهميشها ، إنها من أجل استعادة هذه الأقاليم ، وتصحيح إجراءاتها وضبط علاقاتها وحدودها ، إننا في عصر البلاغة بحيث تهيمن بسلطانها على الخطاب وجودا وإنشاء ، وعلى قراءته تلقيا .
وهذا البحث يستظل بالدراسات التي تريد أن تعطي للبلاغة مستحقها خاصة في لغتنا العربية ، فالدراسات الغربية سارت شوطا بعيدا في توسيع حدود بلاغتها بين الشعري والإقناعي والسردي ، وغيرهم من الخطابات التي أصبح لها بلاغته الخاصة بها ، وتنضوي جميعها تحت بلاغة عامة تحتضن الأنواع ، وتبني شبكته على فعاليات اللغة في الحياة الإنسانية تخييلا وتداولا ، و تصل الدراسات العربية إلى هذا الوعي إلا بعد التنقيب عن البلاغة القديمة ، وإعادة قراءته ، وفهم جزئياته والمراحل التي مرت بها ، والتفاعلات التي خاضت غارها ، وهذا ما صنع نجاح الدرس النقدي الغربي أمام حالة التبعية الشكلية التي يعاني منها جزء لا يستهان به من الدرس النقدي العربي ، فإذا تمكنا من قراءة ماضينا الثقافي والبلاغي ، بالتنقيب عن خلفياته ، والكشف عن أنساقه ، ومحاولة إجراء قراءة داخلية أحيث يفهم السابق في ضوء اللاحق ، ويطرح سؤال التلقي وبناء العلاقات ، عندها يمكن النهوض بالدرس النقدي والبلاغي ، ويتمكن حينها من محاورة الآخر ، والاستفادة منه .
↚
تحميل كتاب البلاغة العربية والبلاغات الجديدة pdf
إن البلاغة العربية لا تزال ترقص في الأغلال ، خاصة في المناهج التعليمية ، ومازال الأساتذة في ربوع الوطن العربي يتخذون من " إني أرى رؤوسا قد أينعت . . . " نموذجا ليشرحوا به الاستعارة وكأنّ العربية بأساليبها وقف بها الزمن و عقمت ليبقى فيها شاهد وحيد على أحد أكبر أفنانها وهي سلطنة الاستعارة ، أما الإجراءات التطبيقية التي تتخذ مقولات البلاغة وأبوابها محورا للتطبيق على النصوص والخطابات فهي مهزلة من طراز رفيع المستوى خاصة عندما نجد دراسات يبحث أصحابها في ظواهر بلاغية ضمن خطابات معينة ولا نجد في نهاية الدراسة مبررا التتبعها ، وكذلك لا نجد هدف من دراستها ناهيك عن إهمال الأصول النظرية التي تقف خلف الفروع التطبيقية ، ونجد اتجهت البلاغة العربية الفاعلة عبر تاريخه ما تزال مغيبية ، وغير مفهومة ، ولم يكشف عن كثير من مكونته ، ومقصده التي تسير تبعا لها ، وقد تصدت في العقود الأخيرة دراسات جدة تأخذ من الغرب ، وتعمل على اكشف التراث ومحاورته في قراءة متفاعلة لا تحيز لطرف على حساب الآخر ، وتعمل اعلى احترام الجديد الوافد يفهم أصوله وتبين خلفيته وتمحيص النظر في مقصد أصحابه .
ولا تقف أمام طود التراث الشامخ لتودي الدعوات لأصحابه ، إنها لتودي واجب الفهم كما أمرنا في ديننا ومناهج علومنا والبحث عن أجوبة ما يزال الواقع والخطاب ينتظرانها ، ولتقيم حوارا بين الوافد الجديد والقديم العتيد ، هكذا تتبين اللقارئ أعمال جادة في الساحة النقدية والبلاغية العربية بمثل أعمال عبد الله صولة ، و حمادي صمود ، ومحمد مفتاح ، ومحمد مشبال ، ومحمد العمري ، وغيرهم ممن أخلص للبحث والتنقيب ومتابعة التطور الذي شهده الدرس البلاغي العربي بمكوناته الغنية ، هذه الدراسات التي أخذت على عاتقها مهمة تعد الخطوة الأساسية في بناء صرح الفهم والبيان وتأسيس المعرفة التي تتناسب مع هويتنا ومنطلقاتنا .
تحميل كتاب البلاغة العربية والبلاغات الجديدة pdf
تحميل الكتاب pdf
تعليقات
إرسال تعليق