القائمة الرئيسية

الصفحات

المعنى والدلالة في البلاغة العربية pdf


المعنى والدلالة في البلاغة العربية pdf


المعنى والدلالة في البلاغة العربية pdf

البلاغة بين التقليد والتحديد

 يرى بعض الدارسين أن المؤسس الحقيقي لعلم البلاغة هو أبو يعقوب السكاكي ( ت ۱۳۹ هـ ) ، فقد جمع فنونها الثلاثة ( المعاني والبيان والبديع ) ، وقسم كل فن منها إلى أقسام وفصول ، وحوّل الحرس البلاغي من فن تعليلي يعتمد على وجهات النظر في تحليل الكلام ، إلى علم له أصوله وقواعده في دراسة صناعة الكلام ، غايته صوت اللسان من الوقوع في فساد القول وضعف التعبير . وقد مثل الستاكي بذلك مرحلة مختلفة في تاريخ البلاغة العربية عن سابقيه ، حتى أصبح الدارسون يقيمون تاريخ علم البلاغة إلى مرحلتين هما : ما قبل السكاكي ، وما بعده ؛ فلم تكن البلاغة عند الجاحظ ( ت ۳۵۵ هـ ) ، والمبرّد ( ت ۳۸۵ هـ ) ، وأبي هلال العسكري ( ت ۳۹۵ هـ ) ، وعبد القاهر الجرجاني ( ت 71 هـ ) ، وغيرهم علماً خالصاً ، بل كانت فناً يركز على الموازنة في إجادة الفنون البلاغية بين الشعراء والأدباء ، أو يركر على تحليل النص القرآني لبيان إعجازه كما هو الحال مثلاً عند الرماني ( ت ۳۸۹ هـ ) والخطابي ( ت ۳۸۸ هـ ) وآخرين .
 وعلى الرغم من اتهام السكاكي بانحطاط البلاغة على يديه وتحويلها إلى علم جامد ، إلا أنني أجد فيه أفضل من خدم المصطلح البلاغي وحدّده عن طريق استقرائه المؤلفات من سبقه ، لذا كثرت بعده الشروح والتلخيصات ، كما اعتمد على منهجه الكتاب والمؤلفون حتى يومنا هذا ، مما يشير إلى عناية المختصين بكتابة ( مفتاح العلوم ) ، برغم ادعاء الكبير منهم تحررهم منه ، فما زال التقسيم الثلاثي الذي وضعه كما هو ، وما زالت الشواهد التي اختارها ، من سائقية ، تتكرر في المؤلفات المالية الجديدة منها والقديمة . 
فضلاً عن ذلك فقد كانت البلاغة قبل السكاكي متفرقة في متون مؤلفات مختلفة لا تشبع منهجاً واضحاً ومحدداً ، بل تعتمد على المذهب الفلسفي أو الأدبي لأصحابها ، غير شاملة للفنون البلاغية كافة . فالملاحظ أن المؤلفين قبل السكاكي كانت تختلط عندهم فنون البيان بالبديع والمعاني ، كما يُطلقون كلمة البيان ويريدون بها علم البلاغة ، كذلك يأتي مصطلح البلاغة مرافقاً للفصاحة ، فالجرجاني مثلاً ، على الرغم من أن بعض الدارسين يعده مؤسساً لنظرية المجاز في البلاغة العربية ) ، وهو كذلك حقاً ، إلا أنه لم يصتف الفنون البلاغية بشكل واضح كما هو الحال عند السكاكي ، فنرى اختلاط فنون البيان مع المعاني في كتابيه ( دلائل الإعجاز ) و ( أسرار البلاغة ) . فهو يتحدث عن المجاز والاستعارة والكناية في كتابه دلائل الإعجاز مع حديثه عن النظم ومعاني النحو ، ولا يذكر الكناية في أسرار البلاغة الذي خصصه لعلم البيان . وكذلك نجد قبله ابن المعتز ( ت ۲۹ هـ ) يجعل الاستعارة من ضمن فنون البديع . وقد قام السكاكي بالفرز والتبويب والتجميع حتى خرج بأصول للدرس البلاغي التقليدي ، فأصبح بذلك مقياسا للتقليد والاتباع ، كما يُقاس التحديث بمقدار الخروج على منهجه . فحينماندرس البلاغة التقليدية فأفضل ما يمثلها هو ( مفتاح العلوم الذي أرسى تقاليد البلاغة وقواعدها .

تحميل كتاب المعنى والدلالة في البلاغة العربية pdf
 نعود مرة اخرى فنقول : إت تخلف الدرس البلاغي لا يُمكن أن يُعرى إلى رجل او الى كتاب ، بل لا بد أن يعود ذلك إلى مُجمل النشاط الثقافي والإبداعي للامة ، ونرى أن أسباب ضعف البلاغة تتلخص في أمرين : الأول : يتعلق بالوظيفة التي تبناها الدرس البلاغي منذ تأليف ( المفتاح ) ، وهي وظيفة تعليمية غايتها صون اللسان عن الخطا في أداء المعاني . وهذه الوظيفة هي أدنى الوظائف في دراسة النصوص ، حيث ابتعدت البلاغة عن تحليل النص ( 1 ) ينظر : تظرية المجاز عند عبد القاهر الجرجاني " ، غازي بموت ، مجلة عالم الفكر ، ع ( 41 ) ، ( ۱۹۸۷ ) : ۱۱۱ . القرآني وما فيه من إعجاز ، وصار همّها تقديم أيسر الطرق للمتعلمين في تأدية الكلام ، والثاني : يتعلق بابتعادها عن علم الأصول وعلم الكلام الأنين نشأت فيهما وترعرعت بأفكارهما ، وعلى الرغم من أن بعض الدارسين ، وعلى رأسهم ( شوقي ضيف ) ، يُرجع سبب الجمود والتعقيد في البلاغة إلى كونها امتزجت بمباحث منطقية وفلسفية وكلامية وأصولية ونحوية كثيرة مما أسرع إلى جفافها وجمودها ) ، إلا أننا نرى أن علماء الأصول هم أفضل من درس دلالة النص ووضعوا الأسس في فهم النص القرآني خدمت بشكل كبير الدرس البلاغي  والنقدي .
 كما أننا نجد علماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة هم أول من وضعوا تعريفاً للبلاغة ؛ فأفضل من عرّف البلاغة هو الجاحظ المعتزلي الذي وضع الأصول الأولى لنظرية النظم وعلم المعاني ، وقل العديد من آراء المعتزلة وتعريفاتهم للبلاغة في كتابه ( البيان والتبيين ) ، وأهمّها صحيفة بشر بن المعتمر ( ت ۲۱۰ هـ ) وهي أول صحيفة في تاريخ البلاغة ( ۳ ) ، وقد عدّ شوقي ضيف بشر بن المعتمر مؤسس البلاغة العربية بلا منازع ( ۳ ) ، وهو من المتكلمين المعتزلة . وخير من ألف في المعاني والبيان هو الجرجاني الأشعري ، ويأتي الزمخشري المعتزلي ( ت ۵۳۸ هـ ) على رأس من فسر القرآن تفسيراً بيانياً ، فكيف لهؤلاء المؤسسين لعلوم البلاغة أن يكون منهجهم الكلامي أو الاعتزالي أو الفلسفي سبباً في حمود البلاغة وقد اوصلت على أيديهم أوج ازدهارها ، ولم تضعف إلا حينما اقتصرت على الجانب الأدبي البحت في فهم النص ، ولم يكن مفهوم الأدب عند القدماء مُعمّقاً بالقدر الذي يتيح للتحليل البلاغي أن يخوض في أروقة الفكر وطبائع المجتمع التي يتعرض لها الأدب . ولذلك ظلت البلاغة  تدور في فلك الأدب ( الترفيهي أو الدعائي ) ، وصار الأدباء يسعون التحقيق غاية البلاغيين ، فضعف هذا وتخلفت تلك .
 ولا بد لنا أن تُدرك السمة العقائدية للدرس البلاغي ، حيث إنها نشأت لدراسة الإعجاز القرآني وهذا الجانب يحتاج إلى طرح البراهين والحجج ، مما يشير إلى أن البلاغة ليست ذات طبيعة أدبية في جوهرها وإنما فلسفية غير أنها استفادت من الأدب بوصفه موضوعاً تطبيقياً لمباحثها ، وليس بوصفه منهجاً لها ، وربما أفضل تعريف للبلاغة هو أنها علم البرهان .
تحميل كتاب المعنى والدلالة في البلاغة العربية pdf
تحميل الكتاب pdf
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات