كتاب مدخل إلى مناهج النقد الأدبي
كتاب مدخل إلى مناهج النقد الأدبي pdf
يتميز النقد الأدبي اليوم بتعدد مشاربه ومقارباته . غير أن القاسم المشترك لهذه التعددية والاختلافات واحد هو الأدب والعمل الأدبي . وان اختلفت مواقف النقاد ووجهات نظرهم ، وحتى دوافعهم ، فالأدب هو ما يجمعهم .
ولقد اتسم النقد الأدبي ، في بعض أمثلته بالانطباعية ، كما اتسم في بعضها الآخر بالعلمية الدقيقة والصارمة .
ودعونا لا نعجب لذلك ، فالأدب نفسه . وهو موضوع النقد . يتراوح بين الغث والسمين . والنقد الأدبي ليس ، كما يتصوره البعض ، قيما مطلقا على الأدب يحيله إلى الحضيض إن شاء صاحبه ، أو يسمو به ويصفق له إن حلاله الأمر . فالناقد الأدبي الحق هو الذي يتساءل حول العمل الأدبي المتناول ، ويرحل ككشاف مغامر يقتفي آثاره متسلحا بمنهجية واضحة وبأدوات استقصاء ملائمة ، يدفعه إلى ذلك حب الأدب والرغبة في تذوقه و فهم آلياته ( الدفينة أو البينة ) ، وتوصيله موضحا إلى العامة والخاصة . والناقد الأدبي الحق هو الذي يتفادي الحكم على العمل الأدبي وفق مزاجية ودوافع لا علاقة لها بالأدب ، وهو الذي لا يفرض معيارا خارجيا ضيقا يتسر النص على التواؤم معه ، أو هو يدينه عند استحالة هذا التواؤم المطلوب . نقول ذلك لأن نقدنا العربي الأدبي يعاني من مرض الاختزال والقسر ، ولأن النقد الصحفي ( نقد الأعمدة . أعمدة الصحف ) يطفي على صوت النقد الأدبي الحق . ونقول ذلك أيضا لأن العديد من نقادنا يتعاملون مع النص لتأكيد أو دحض آراء مسبقة يحملونها عن الأدب ومهمته .
إن النقد الأدبي ينطلق من النص وينتهي إليه ، وللناقد أن يختار ، ما بين النص والنص ، المقاربة التي يشاء والمنهج الذي يراه ملائما ، على ألا يدعي انفراده وحده بالكشف عن السر المطلق للعمل الأدبي ، ويقسر النص على حمل الأفكار التي يريدها الناقد .
فتعددية المعنى من خواص النص الأدبي المسلم بها اليوم ، فحتى لغة الاتصال اليومي قد تتحمل أحيانا تعدد التأويلات ؛ فقد تثير نبرة صوت في أنفسنا احتمالا آخر لتأويل ما نسمع . فلا عجب إذن أن تتضارب الآراء والنص واحد ، وهو الذي يستخدم كل ما تسخره اللغة وأدوات التعبير الفنية الخدمته . يجب ألا يفهم من كلامنا أننا نحيط العمل الأدبي بهالة من الأسطورية ، فجل ما ندعو إليه هو التعامل مع العمل الأدبي كمحاور له تاريخه وشخصيته وسماته وغموضه واستقلاليته وحيويته .
فالقراءة هي وحدها التي تحيي النص وتنشطه وتحميه من الجمود والاندثار . والقراءة حوار مفتوح مع المقروء . وبما أن النقد قراءة ، فهو إذن حوار مفتوح مع العمل المتناول .
ومن هنا نخلص إلى أن القراءة النقدية الحقة للأدب هي علاقة الند بالنده وحوار بين خطاب نقدي يريد الكشف والتوضيح . بعيدا عن القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة . وخطاب أدبي يريد أن يحيا ويتبدى ويتواصل . ليس النقد « ميتالغة ، ( أي لغة حول اللغة ) كلفة المعاجم ، بل هو نشاط إبداعي مثله مثل الأدب . وإذا ما جاز القول بأن الأدب ابداع تركيبي ، فالنقد إبداع تحليلي . ولا غنى عن الحوار بين الخطابين ، إذ لا يقوم نقد مبدع إلا بوجود أدب مبدع ، ولا يتطور أدب مبدع إلا بوجود نقد مبدع هو الآخر .
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي نقدمه في ترجمة العربية إلى القارئ الكريم . فهو يعرض لخمسة من بين أهم الإجراءات النقدية في تحليل النصوص الأدبية بخطاب تقدي موثق ورصين ، شارحا مرتكزاتها التاريخية والفكرية ، وموضحا أسسن مقاربتها للأعمال الأدبية والمقاهيم التي أبدعتها والنتائج التي خلصت البناء بالاضافة الى ما طرأ عليها من مستجدات . وتناول كل منهج من هذه المناهج باحث متخصص به له باع طويل في تدريسه والكتابة فيه ، كل ذللك بأسلوب تربوي تعليمي لا يتزمت في عرض هذا المنهج او ذالك ، ولا يتوانى عن عرض بعض المثالب والإشارة إلى التطور الذي حصل . أو هو يحصل . في بعض المفاهيم وفي استخدامها . ونشير هنا إلى حداثة وأهمية النقد التكويني بمفهومه الحديث وأدوات استقصائه العلمية الجديدة في التعرض للمخطوطات الأدبية ومسودات الأعمال التي يتركها الكاتب . فلقد تسني لكاتب هذه السطور مؤخرا ( في شتاء 1994 ) حضور حلقات عمل مجموعة من الباحثين بالنقد التكويني كان من بينهم بيير . مارك دو بيازي كاتب فصل النقد التكويني في هذا الكتاب ، وريموند دوبريه . جونيت ، وكلود دوشيه ، وجاك نيف ) وتبين له أهمية هذه المقاربة النقدية وخصبها في مجال تحقيق النصوص وتأويلها على السواء في النقد العربي اليوم . كما نشير أيضا إلى الأهمية التي يمنحها الفصل المتعلق بالنقد النفسي للأدب إلى طروحات « كان » ونتائج أبحاثه في مجال الأدب ، بالإضافة بالطبع إلى عرض طروحات فرويد وتطبيقاته ، وما قدمه الباحث الفد شارل مورون في منهجه النفسي المتميز في دراسة الأدب . ولا يخفى على المتتبع للمناهج النقدية الغربية ما تركه النقد الموضوعاتي ( الفصل الثالث في هذا الكتاب ) من بصمات في النقد الأدبي الغربي على يد الفيلسوف والناقد الكبير باشلار ومن جاء بعده مطورا وموسعا لمنهجه .
ويتميز تقديم منهج النقد الاجتماعي للأدب ( الفصل الرابع ) ببعده عن التزمت وفن الطابع المعياري المتشدد الذي طالما وصم به النقد الماركسي للأدب ، فيظهر الفتاح هذه المقاربة النقدية على العديد من المفاهيم الحديثة ، مما يمنحها الكثير من الليونة التي كانت تفتقر إليها فيما مشي . أما الفصل الخامس والأخير ( النقد النصي ) فقد عانينا الأمرين في ترجمته ، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى صعوبة إيجاد مقابل المصطلح اللساني الغربي الحديث في اللغة العربية . ولتضارب المصطلحات العربية المستخدمة ( إذ لا يجمع اللسانيون العرب على تبني مصطلح واحد مقابل المصطلح الغربي ، ولعدم كفاية الجهد اللساني العربي الحديث أمام التطور المدهش والمتابع للأبحاث اللسانية في العالم الغربي ، ودخول العديد من مفاهيم اللسانيات ومصطلحاتها في المقاربة النقدية للنصوص الأدبية.
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق