هذا الكتاب يخوض في محورين رئيسين ، أولهما مجال التنظير لنقد النقد الأدبي بوصفه خطابا ، من حيث مفهوم نقد النقد الأدبي وطبيعته والمحاور التي يرتكز عليها وجوده ، ومن حيث الحقل الذي ينتمي إليه وهذا يستلزم وقفات تصنيفية للممارسات النقدية من حيث التنظير والتطبيق ، ومن حيث طبيعة الموضوع الذي تشتغل عليه ، والحقل الذي تشتغل فيه ، فضلا عن طبيعة الأسئلة التي حرکت الممارسة النقدية . ويبقى موضوع المصطلحات الدالة على مفهوم نقد النقد الأدبي موضوعا رئيسا في هذا الكتاب فثمة إشكالية في تعدد المصطلحات التي دلت تاريخيا على مفهومه ، وكانت حاضرة في النقدية العربية في العصر الحديث . فضلا عن إشكالية المصطلحات التي يمكن أن تدل عليه ، ودرجة قدرتها على توصيل الدلالة وكل هذا يستلزم تتبع محطات التحول في مسار المصطلحات الدالة على مفهوم نقد النقد الأدبي .
وفي ثاني محوري الكتاب خوض في واقع تنظير نقد النقد الأدبي عند العرب خلال القرن العشرين . ليجيب المحور عن سؤال رئيس هو : هل للعرب نصيب من التنظير في مجال نقد النقد الأدبي في القرن العشرين ؟، والإجابة عن هذا السؤال تستدعي أسئلة أخرى مثل : هل كان المنجز العربي في مجال تنظير نقد النقد الأدبي دالا على خصوصية نقدية عربية ، أم هو جهد مبني على منطلقات نقدية غربية ، شأنه شأن المنجزات النقدية الأخرى ؟. وهل هو منجز متطايق من حيث منطلقاته. التي يستند إليها فهمه ، أم هو متنوع المشارب والاتجاهات ، حتى غدا تصنیف توجهاته أمرا ضروريا لغرض الفهم ؟. وهل كان ذلك المنجز على درجة واحدة من الأهمية المعرفية ؟. وبناء على هذا الواقع البحثي كان عنوان الكتاب : ( ( مقاربات في تنظير نقد النقد ) ، لأنه يقدم مقاربة بحثية في تنظير نقد النقد الأدبي وأيضا ، يقدم مقاربة بحثية في ما قدمته النقدية العربية في مجال التنظير لهذا الحقل المعرفي .
↚
من المهم أن أشير هنا إلى أن نقد النقد الأدبي يرتبط بقوة مسألة المنهج ، لتكون موضوعته من جهتين رئيستين ، فهو من جهة بحاجة إلى رؤية منهجية وأصول منهجية مركبة تضبط البحث والكتابة ، التي ينتجها البحث في نقد النقد الأدبي ، وهو من جهة ثانية مسؤول في أصل وجوده عن متابعة المنهج النقدي الذي وظفه النقد ، الذي أصبح موضوعا لنقد النقد . وهذا بطبيعة الحال يستدعي النظر في المنهج الذي حكم نقد النقد ، مضافا إليه النظر في فحص درجة اهتمامه بنقد المنهج بكل مستوياته وأشكاله ، من منهج نقدي ومن أصول منهجية عامة يمكن أن يكون النقد قد استعان بها لذلك فالمقاربة البحثية لمسألة المنهج في مجال نقد النقد الأدبي تبدو وكأنها سلسلة اهتمامات منهجية ، ينبني بعضها على بعض .
ومثل هذا الاهتمام المتسلسل بالمنهج ، قد لا يتوافر في ممارسة نقدية أخرى كما يتوافر بهذه القوة في ممارسة نقد النقد الأدبي والبحث فيه لأن الاهتمام المنهجي والحاجة المنهجية في نقد الأدب الإنشائي قد لا تتجاوز حاجة الناقد إلى منهج التحليل النص الإبداعي ، فضلا عن بعض الأصول المنهجية العامة التي قد يستعين بها الناقد في نقده المكتوب في حين هذه الحاجة متسلسلة ومتشعبة في نقد النقد الأدبي ، لذا سيتلمس قارئ هذا الكتاب مقدارا ليس قليلا من الاهتمام المنهجي ، من خلال الإشارة إليه وتشخيص المنطلقات المنهجية المتخذة وإبراز أهمية حضورها وطبيعة عملها . ليكون هذا التشخيص والتأكيد على الرؤية المنهجية والإجراءات أمرا مقصودا بذاته في هذا الكتاب لأننا نؤمن بأن البعد المنهجي يمثل تحديا كبيرا للنقد ، وأن الحاجة دائمة Y التحديد منهجيات ضابطة للنقد والنقد النقد ولطبيعة البحث فيهما . وقد قطع ( ( علم المنهج ) ) المعني بهذا ؛ شوطا طويلا في درس المناهج لينتج المنهجيات المناسبة ، سواء من خلال التأمل النظري في المنهج ، أو من خلال الممارسة النقدية المستندة إلى منهج ، وما تفرزه تلك الممارسة من تصورات خاصة عن ذلك المنهج ، کالتصحيح أو الاختزال أو الإضافة ، أو المزاوجة مع مناهج أخرى . الخ
تعليقات
إرسال تعليق