كتاب البلاغة والأسلوبية pdf
غير أن هذا الجهد الوفير شابه الوقوف عند حدود الجملة الواحدة ، مما جعل دراسته مبتورة في كثير من أجزائها . ويكاد يكون المجاز مثلاً لأكبر قيمة في انتهاك النظام اللغوي ، والخروج على مألوفه ، والعُدول فيه يبدو بشكل بارز في تحديد مفهومه على المستوى اللغوي أو المستوى الاصطلاحي ؛ مما جعل له دوراً بارزا في الدلالة ومباحثها ، ودورا بارزا في خلق الصورة الفنية من خلال مباحث الاستعارة والكناية والتمثيل . ودراسة مباحث الأسلوب ومفهومه في الدراسة العربية الحديثة تؤكد عملية التواصل بين القديم والجديد ، من حيث كانت مباحث حسين المرصفي ومصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات وأحمد الشايب وأمين الخولي
قائمة في جوهرها على ما أصله القدماء من دراسات بلاغية ، مع الإفادة في الوقت نفسه من التيارات الخصبة التي وفلت من الغرب مع مطلع نهضتنا الطبيئة ، وإن كان ذلك كله لم يُهنئ لظهور النظرية العربية المتكاملة في دراسة الأسلوب .
والحديث عن الأسلوبية الحديثة هو الوسيلة الصحيحة لعقد المقارنة بينها وبين موروثنا البلاغي ، من خلال تحديد مفهوم الأصالة والمعاصرة ، بحيث لا يكون هناك تعصب . لقديم أو انغلاق أمام جديد . وتأتي مباحث التويات باعتبارها الركيزة الأساسية لمباحث الأسلوبية الحديثة ، التي ولدت على يد دي سوسير ثم نماها بالي ، وتتابعت الدراسات مُشككة أحيانا في إنجازات بالي أو موثقة لها ؛ مما هيا لاكتمال جوانب البحث الأسلوبي على يد رواده من أمثال مبترر وماروزو وألونسو ، أو على يد المدارس اللغوية التي شاركت فيه ، من أمثال الشكلين الروس والمدرسة الفرنسية والألمانية ، وقد أكد كل ذلك ظهور علم العلامات أو ( السيميولوجيا ) كوسيلة فعالة لشرعية الاتجاهات الأسلوبية بما قدمه من جوانب تحليلية ، ساعدت في ربط الأدب باللغة من ناحية ، وربط الأدب بالنقد من ناحية أخرى.
وتتبعنا لمفهوم الأسلوبية يقودنا إلى الاتجاهات المتعدّدة التي برزت من خلال هذا المفهوم ، في رأيناه يغرق في انطباعات ذاتية أحياناً ، ويتجرد في ثوب موضوعي خالص أحيانا أخرى ، وإن كان هذا وذاك يعتمد على علم اللغة وما نئمه من منهج علمي يقارب منهج العلوم الطبيعية في دقته وموضوعيته ، وإن كان ذلك – أيضا – لم يؤد إلى تداخل الاختصاصات ، بحيث ظل علم اللغة مُنصبا على دراسة ما يُقال ، في حين انصبت الأسلوبية على كيفية ما يُقال ، بحيث تتحوّل الحقائق اللغوية إلى قيم جمالية في الأداء الإبداعي دون وقوع في شرك الفصل بين الشكل والمضمون . ويمكن تحديد الاتجاهات الرئيسية في مجال الأسلوبيات بما يتصل بالمستوى العام من غير متابعة تطبيقيّة ، وبما يتصل بالمستوى العام مع التطبيق على النماذج اللغوية ، وما يتصل بالمستوى الفردي من خلال انتهاك اللغة ، أو تكراريتها ، أو من خلال الإحصاءات ، أو من خلال المنبهات الفنية الوفيرة في الأداء الإبداعي .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق