القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب الانزياح من منظور الدراسات الأسلوبية pdf



كتاب الانزياح من منظور الدراسات الأسلوبية pdf

تحميل كتاب كتاب الانزياح من منظور الدراسات الأسلوبية pdf

لم يعد غريبا بيننا علم الأسلوب بأية ماتراه من كثرة الدراسات المتلاحقة التي يطرد صدورها علما إثر علم . فأما السر من وراء هذا الاطراد الله خامن فيما تمتاز به الأسلوبية من القرار على ملامسة مايسمى " أدبية الأدب ، إذ الأسلوبية - كما قيل عنها بحق و بحث عمنا به يتميز الكلام الفني من بقية مستويات الخطاب أولا ومن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا » . ولعل في هذا التعريف مايفضي بنا راسنا إلى صلب هذا البحث الذي استهدف امتحان مفهوم يعد أهم ماقامت عليه الأسلوبية من أركان حتى لقد عده نفر من أهل الاختصاص كل شيء فيها وعرفوها فيما عرفوها بأنها " علم الانزياحات " . فإذا رمنا استجلاء المراد بالانزياح فسيكون فيما اصطنعناه له من وصف أولي مؤداه أن الانزياح « استعمال المبدع اللغة مفردات وتراكيب وصورا استعمالا يخرج بها عما هو معتاد ومألوف بحيث يؤدي ماينبغي له أن يتصف به من تفرد وإبداع وقوة جذب وأسر » وبهذا يكون الانزياح هو فيصل مابين الكلام الفني وغير الفني . وليس من قبيل المبالغة في شيء أن يقال : إن الانزياح يتغلغل في مساريا الأدبية عامة والشعرية على نحو خاص تغلغلا يصح معه القول إنه يقع منها موقع القلب من الجسد ؛ فإذا كان القلب هو مايمد الجسم بالدم والغذاء فإن الانزياح هو « وحده الذي يمنح الشعرية موضوعها الحقيقي ، على نحو ما يقول جان كوهن .

وعلى ذلك فالبحث في الأزياح هو بالضرورة بحث في الشعرية و هو كذلك بحث في الأنبية ليضا . وذلك يضي فيما يفيه أن مثيره هاتان القضيتان من الفتاه ودال متجسين فيما لابد أن يكون لنزياح فيها نصيب واف . والحق أن ثمة مشكلة مطوية ، إن جاز التعبير ، بین الاقته والانزياح ، فإذا كان مؤداهما واحدا فإن على من يخوض في بحت الشعرية والانزياح أن يوطن النفس على الاختلاف . وبعد .. فحين اخترنا * الانزياح في الدرس الأسلوبي موضوعا للبحث كنا على حسبان لما يمكن أن تواجه المرء فيه من مشكلات قد يصل بعضها إلى أن يكون معضلات و قد دعانا الفضول المعرفي إلى تخصيص مهد علم استهدفتا من ورائه تأصيل الانزياح باعتباره ظاهرة عامة كبرى تغطي الكون والإنسان معا . ولم ترد من هذا المهاد أن يكون أكثر من جملة إلماعات تنضوي تحت ما يسمى " تضافر العلوم " في تحليل الظواهر ، وهو أمر من شأنه أن يجعل الظاهرة أكثر انكشافا وجلاء . وطبيعي أن يتسع هنا مفهوم الانزياح أكثر من مجرد كونه ظاهرة أسلوبية تخص النص الأدبي فحسب . ثم كان أن احتوت الدراسية على فصلين اثنين : يتعلق الأول منهما بدراسة الانزياح من الخارج ، و يتعلق الثاني بدراسته من الداخل . فأما الفصل الأول فدرست فيه جملة من المصطلحات التي عبرت عن المفهوم أو دارت حوله . وقد استغرقت مصطلحات الانحراف والعدول والانزياح أغلب الحديث ؛ لأنها هي أقوي المصطلحات وأكثرها استعمالا وتداولا . ولكن هذه الثلاثة لم تكن في مستوى واحد و ذلك بأنها لما خضعت للمفاضلة ترجح لدي أحذها من دون أن يعني ذلك رفضا للمصطلحين الآخرين . ثم تحدثت عن مصطلحات أخرى هي دون هذه الثلاثة صلة بمفهوم الانزياح .

 وأشرت في هذا المبحث إلى أن مشكلة تعدد المصطلح واختلافه لیست عربية الأصيل بل هي غربية المنشأ . وقد لاح لي أن كثرة المصطلحات - وقد جاوزت الأرہمن - ريما كانت في وجه من وجوهها تعبيرا عن ترسخ مفهوم وخطره مثلما هي تعبير عن تعيينه وعم انضباطه . ثم التفت إلى عقد مقاربة بين كل من مفهوم الاختيار ومفهوم الانزياح على أساس ملبينهما من تقابل وتداخل . ثم شرعت في محاولة تاريخ النظر إلى الأسلوب بما هو انزياح عند الغربيين واستقام لي من خلال ذلك تأصيل الانزياح والخروج بنتيجة مفادها أنه أمر ليس من ابتداع الأسلوبيات الحديثة ابتداء بل هو ضارب في أعماق الفكر النقدي وأما الفصل الثاني فكان قوامه ثلاثة مباحث : تركز أولها على أنواع الانزياح وقد ارتأيت أن تكون نوعين اثنين : الزياج استبدالي وآخر ترکيبي . فأما الاستبدالي فاستأثرت فيه الاستعارة بمعظم الاهتمام ، لأنها أهم مايقوم عليه هذا النوع من الانزياح ، بل لعلها أهم الانزياحات بإطلاق ، ولذلك فقد حظيت عبر مختلف العصور باهتمام الفكر النقدي على تفاوت في عمق الرؤية والتحليل . وأما الانزياح التركيبي فيعتمد على مايقوم بين الكلمات من علاقات من شأنها أن تسهم في تولية الأدبية أو ولا مانع من 

الانزياح ، بل لعلها أهم الانزياحات باطلاق ، ولذلك فقد حظيت عبر مختلف العصور باهتمام الفكر النقدي على تفلوت في عمق الرؤية والتحليل . ولما الانزياح التركيبي فيعتمد على مايقوم بين الكلمات من علاقات من شأنها أن تسهم في توليد الأدبية أو في توليد الشعرية . ولعل التقديم والتأخير هو أجلى مظاهر هذا النوع من الانزياح ولذا فقد استأثر بمعظم الاهتمام . ثم وقف البحث وقفة مطولة عند معيار الانزياح ، وهو مفهوم اصطنعه الأسلوبیون بغية تحديد الانزياحات ولقد أشكل أمر تحديد الانزياح على بعض النقاد وجطه معضلة تعسر على الحل . ولكن البحث سعى إلى حطها عبر اعتماده جملة معايير تضافر فيما بينها على بيان الانزياح . وهكذا فقد عرضت لمعيار اللغة العادية النفعية أو اللغة العلمية وهما مستويان لغويان يخلوان من آثار الفن والجمال . وإنما صلحا أن يكونا معيارا للانزياح على اعتبار أن الأشياء بضدها تتماز . 

ثم عرضت لأثر السياق في تمييز الانزياحات ، وعنيت بالسياق هنا السياق اللغوي في المقام الأول ، ثم وقفت عندما أسماه ريفاتير بالقارئ العمدة . وعرضت عقب ذلك للذوق باعتباره معيارا عاما ليس للناقد عنه غنى . وعرضت في سياق ذلك لثقافة الناقد وما لها من أثر في تشكيل ذوقه وإنمائه . ثم وقفت عند نظرية الإعلام وما أفادت به علماء الأسلوب . ووقفت عند ما يسمى العلاقات الرأسية والعلاقات الأفقية ، وكذا عند مايسمى البنية السطحية والبنية العميقة ومايمكن أن يكون بينهما من بعد ومسافة ، ثم وقفت أخيرا عند معیار بدا لي أضعف المعايير وهو الإحصاء . وخلصت إلى نتيجة رايت فيها تهوين ما رآه البعض في المعيار من صعوبة وإشكال ، ثم التفت من هذا إلى الحديث عن وظيفة الانزياح و ابتدأت المبحث بإثارة مايمكن أن يقال عن وظيفة الفن والأدب . ودلفت من هذا إلى الحديث عن .الوظيفة الرئيسة للانزياح وهي وظيفة تختص بالمتلقي أسدنا فقتضى نك حيئا عن مبلغ اهتمام النقد به في النصف الثاني من هذا القرن . وعرضت النظرية أخرى ترتبط بوظيفة الانزياح وبالمتلقي معا ، وتلك هي نظرية الإعلام . ثم شرعت في الكلام على المفاجاة ، وبينت مكانها عند السرياليين إذ جعلوها مناط الإبداع . وسعيت إلى تأصيل المفاجاة من سياقات معرفية متباينة لأنتهي إلى حديث النقاد عنها . وبعد .. فلعل من نافلة القول أن هذا البحث يدخل تحت مایستی نقد النقد METACRITICISM ، وإذا كان النقد في أساسيه كلاما على الكلام ، وإذا كان الكلام على الكلام عسيرة وشاقا كما أخبرنا بذلك أبو حيان التوحيدي ، فإن نقد النقد كلام على كلام على كلام . و هو من ثم أعصر وأشق . 

وإني إذ أتقدم بهذه الدراسة المقتضبة لأعلم علمأ ليس بالظن أنها جهد متواضع فيه من جوانب النقص والقصور شيئا ليس باليسير . و مرد ذلك إلى انشعابها واشتراك كثير من العلوم فيها - ودون كل علم خرط القتاد - ومن ثم فإن الدارس لابد أن تواجهه مشکلات جمة في مثل هذه الدراسات . لكن الدأب و التنقير لابد أن يفلحا في تذليل شيء من تلك المشكلات . ومن الله تعالى أستمد العون و التوفيق فله الفضل وعليه التوكل والحمد لله رب العالمين .

تحميل الكتاب 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات