القائمة الرئيسية

الصفحات

النقد الأدبي في القرن العشرين مترجم.pdf








النقد الأدبي في القرن العشرين مترجم.pdf
النقد الأدبي في القرن العشرين مترجم.pdf
النقد الأدبي في القرن العشرين..جان إيف تادييه يستعرضه شمالاً وغرباً فقط!
كتابُ الناقد الفرنسي "جان إيف تادييه" الصادر عن مركز الإنماء الحضاري -حلب، بترجمة الناقد د. منذر عيَّاش، في جزأين.. يستعرضُ على نحوٍ مكثَّفٍ تطوُّر النقد الأدبيِّ "الغربيِّ" منذ مطلع هذا القرن، كما لأبرز أعلامه وتياراته.‏
ومؤلف الكتاب، أستاذ جامعي "جامعة السوربون الجديدة"، وله عدَّة كتبٍ، منها: "مدخل الحياة الأدبية القرن 18- بروست والرواية- القصة الشعرية- الرواية والمغامرات"، إضافة لكتابه هذا، الصادر عام 1987، عن منشورات "بيلفون" باريس.‏
*الشكلانيُّون... والشكلانيُّون الجُدُد*‏
يكاد الجزء الأول من الكتاب، يستنفذُ الحديث في المدارس الشكلانية، وأولها الشكلانية الروسية، التي يعتبرها "تادييه" المدرسة الأكثر تجديداً في القرن العشرين، إذْ بدأتْ شتاء 1914-1915، عندما أسَّس بعض الطلاب "حلقة موسكو اللسانية" عبر بيانٍ دعوا فيه إلى تشجيع البحث في اللسانيَّات وفي الشعريَّة، وكانت أول ثمار هذه الحلقة إصدار كتاب عن نظرية اللغة الشعرية عام 1916 في بيتروغراد، وفي العام الذي تلاه -أي في 1917- تشكلت جمعية الدراسات في اللغة الشعرية، وضمَّتْ نقاداً وشعراء، مثل "مايا كوفسكي- باسترناك- مانديلشتام"، أما أبرز نقادها، فهم: "تراشفسكي- شكلوفسكي- تينياتوف- رومان جاكبسون".‏
ثم يستعرض المؤلف حركة براغ الشكلانية، التي أسَّسها "فيلهم ماتيسيوس" عام 1926 وانضمَّ إليها جاكبسون وتروبتسكوي من الروس، بالإضافة إلى التشيكوسلافيين: هافرانيك- تروكا- فاشيك- موكاروفسكي، أما أطروحات الحلقة فقد أُوجزت في المؤتمر العالمي الأول للسانيات في لاهاي عام 1928، ووقفت حلقة براغ ضد مدرسة (سوسيير) في جنيف، فرفضت وضع حواجز لايمكن تجاوزها بين الآنيِّ والزماني، حيث ذهب جاكبسون، وهو الأبرز في حلقة براغ، إلى وجود تعارضٍ بين اللغة الثقافية واللغة الانفعالية، فاللغة حين تؤدي دوراً اجتماعياً تدخل في علاقةٍ مع الواقع فوق اللساني، فإما أن تكون لها وظيفة إيصالية وبهذا تصبح لغة "الموقف"، أو تكون لها وظيفة شعرية، وهنا تتجه اللغة نحو الإشارة نفسها.‏
وبغضَّ النظر عن أوجه اختلافنا مع النقد الشكلاني، خصوصاً حين يعتبر العمل الأدبي نصاً مغلقاً على أدواته ووظائفه، بينما يعزله عن سياقه الاجتماعي والتاريخي، سأترك لكم أن تتأملوا رأي الناقد الشكلانيّ "إيخايتوم"، والذي بحسب المؤلف "جان إيف تادييه": "قد أعطى مثلاً متميزاً للتجديد النقدي في تحليله لمعطف غوغول، حين يقرر أن قصة المعطف: ليست نصاً واقعياً ولا عاطفياً، وليست إنسانية، إنها سخرية وبذاءة"!.‏
ويبدو مثل هذا الرأي مُصاباً بلوثة التصريحات الإعلانية، بقصد الإثارة ولفت النظر، بدليل ديمومة قصة "المعطف" لغوغول، وتراجع مثل هذا الرأي المثير للشفقة إلى سطرٍ في كتابٍ عن تاريخ النقد!.‏
فإذا كان معطف غوغول معطف سخريةٍ وبذاءة، فيالروعتهِ إذاً، وقد خرجت من طيَّاته مدرسةٌ في القصِّ الروسيِّ، وخرج من قماشه كاتبٌ مثل "تشيخوف".‏
يمضي "تادييه" مؤلف الكتاب، ليُلقي أضواء سريعة على النقد الألماني، الذي بدأ إنتاجه يتبلور منذ عام 1915، في ألمانيا نفسها، ثم في المهجر بعيداً عن نازية هتلر، عبر مؤلفات أساسية لنقاده: "غوندولف- أرنست كيرتيوس- أويرباخ- سبيتزر- فريدريخ"، ويُفرِّق المؤلف بين الشكلانيين الروس والألمان، مشيراً إلى الاختلاف في أصل المذهب، فاللسانيات الألمانية لسانياتٌ تاليةٌ لسوسيير وتزامُنية، بينما هي عند الشكلانيين الروس قائمة على فقه اللغة والتاريخ.‏
ومن بين الآراء الخلافيَّة التي يثيرها النقاد الشكلانيون الألمان، وهي كثيرة.. رأيُ "فريدريخ" الذي ذهب إلى أن القصيدة "بنيةٌ مكتفيةٌ بنفسها، ومتعدِّدةٌ في إشراق معانيها، تؤلفها شبكة من التوترات، ومن القوى المطلقة التي تمارسها فعلاً غير مباشر على طبقات الكائن، التي لم تَنْفَذْ بعد إلى عالم العقلانية".‏
وتأسيساً على هذا، يُضيف تادييه، يمكننا فهم عبارة "ت.س. إليوت": "يستطيع الشعر أن يكون مقولاً قبل أن يكون مفهوماً".‏
أما الشعر الحديث عند الناقد "فريدريخ" فهو شعرٌ "يرفض مسكن الروح- الذي كوَّنه الشعر الغنائي- إنه شعر أدار ظهره للمعاش وللذات، والشاعر الحديث لم يَعُدْ يُشارك في الشعر إلاّ بوصفه جرَّاحاً يشتغل على اللغة"!.‏
ما أكثر الجرَّاحين ذوي الكمَّامات والمَشَارِط في مشهدنا الشعري العربي الحديث!!.‏
وإليكم أيضاً، توصيف الناقد "فريدريخ" للشعر المعاصر على أنه "يتعلَّق بالوجوه الشكلية أكثر من تعلُّقه بالمضامين، فينتجُ عن الاغتراب والتفكُّك والتشذُّر، وتتبنَّى الحداثة القبح والعبث ولذَّة الإغاظة، حيث كلُّ شيء يبدأ بصيرورة تدميرية، وهكذا.. يبتعد الشعر شيئاً فشيئاً عن الحياة الطبيعية"!.‏
*الذاتُ المُبْدِعة في النصِّ وخارجه*‏
في الجزء الثاني من كتابه، يعرض "جان إيف تادييه" لمدرسة جنيف، التي تُركِّز على وعي المؤلف، ومن أعلامها "جورج بوليه"، الذي يُعَدُّ كتابه "الوعي النقدي" الصادر عام 1961، بياناً تأسيسياً شاملاً لهذه المدرسة، فيما يرى مُؤسِّسها "مارسيل ريمون 1897-1984" أن رسالة الوعي النقدي، "تتمثَّل في الإلمام بكلِّ المناهج من غير أن يكون تابعاً لأحدها، وهو مايجعلنا أكثر قدرة على الإحاطة بوجودنا في العالم، وعلى الوقوف بشكل أفضل عند معنى الأدب، والعالم، وأنفسنا.. في الوقت ذاته".‏
ثم يستعرض المؤلف مساهمات "غاستون باشلار" النقدية، وقد رافقها انتصار مدرسة تيار الوعي في منتصف الخمسينات، على النزعتين الوصفيَّة والتاريخية، خصوصاً في باريس.‏
يُركِّز باشلار فيلسوف العلوم في سياق تحوُّله إلى النقد الأدبي، على الذات المبدعة، غير مهتمٍ بأن يكون صاحب منهج واحد أو مدرسةٍ نقدية معيَّنة، ففي كتابه المبكر "النار في التحليل النفسي" الصادر في باريس عام 1938، يُركِّز على آلية العبور من المعرفة العلمية إلى المعرفة الشعرية، حيث يعتبر أن الحكَّائين والأطباء والفيزيائيين والشعراء وكلَّ الحالمين.... أنهم ينطلقون من الصور نفسها، ذاهبين إلى الأفكار نفسها!.‏
يُشير المؤلف إلى أهمية باشلار في النقد الفرنسي المعاصر، وقد جدَّد في كتبه دماءه المتجمدة، قالباً مناهجه على رأس عَقِب، جامعاً حول شخصه تلامذةً ومريدين كُثُر: "جان بيير ريشار- جيلبير ديراند- نورثروب فراي"، والأخير معروف لدينا عبر ترجمات حنَّا عبُّود لأعماله، ومنها "نظرية الأساطير في النقد الأدبي- تشريح النقد" وغيرهما.‏
وعودةً إلى باشلار، فهو يستخدم عدة أدوات في تحليل الخيال الأدبي، منها التحليل النفسي، في إحالةٍ إلى "فرويد" بقصد تخطِّيه، فيما كانت الفرويدية مُهيمنةً أنذاك.‏
وينتقل المؤلف تادييه إلى فرويد، معتبراً أن تحليل فرويد للأعمال الأدبية نقدٌ أدبي، ففي كتاب فرويد "حياتي والتحليل النفسي" يُطابق فرويد بين العمل الأدبي والأحلام العادية، ناظراً إلى العمل الأدبي باعتباره إرضاءً خيالياً لرغباتٍ غير واعية، تستيقظ عند القراءة لترضي عند البشر الآخرين التطلُّعات ذاتها، حيث أن قَدْراً من الإغراء يكمن في اللذَّة المرتبطة بمشاهدة الجمال والشكل.‏
*من تيار الوعي، إلى.. علم الاجتماع الأدبي*‏
في آخر الجزء الثاني من كتابه، ينتقل تادييه من توصيف المناهج التي تُركِّز على دراسة الوعي الفردي، أو الوعي الباطنيّ للكاتب كذاتٍ في علاقتها بالعمل الأدبي، إلى مدارس علم الاجتماع الأدبي، الذي يُسلِّط الضوء على علاقة تركها النقاد الشكلانيون خلف كواليس النقد الأدبي، وهي العلاقة بين المجتمع والعمل الأدبي.‏
فإذا كان المجتمع قائماً قبل العمل الإبداع، والكاتب محكومٌ به، وبوجوده فيه، فهو يعكسه في أعماله ويعبِّر عنه ويتطلَّع إلى تغييره.. كما أن المجتمع موجودٌ بعد العمل الأدبي أيضاً، موجودٌ في الجمهور الذي يجعل الأدب وجوداً أثناء وبعد تلقِّيه له.‏
يُشير "تادييه" إلى أن إسهامات علم الاجتماع الأدبي، لم تكن وليدة القرن العشرين.. بل، إن نقاداً في القرن الثامن عشر، منهم "مدام دي ستايل"، وفلاسفة مثل "هيجل- ماركس"، قد أرسوا ملامح هذه المدرسة عن وعيٍ أو دونما وعي، ليتساءل "لانسون" بداية هذا القرن عن التاريخ الأدبي وعلم الاجتماع، مُعيداً طرح جوهر الأسئلة ذاتها.‏
فيما يُعدِّ "جورج لوكاتش 1885-1971" أباً مُهيمناً على علم اجتماع الأدب في القرن العشرين، دون أن يقلل من قيمة إسهامات "لوسيان غولدمان" 1913-1970، الذي مزج بين معطيات البنيوية وبين علم الاجتماع الأدبي، فخرج بمدرسة "البنيوية التكوينية" التي تبرز تساوقاً، أو ترادفاً بين الآثار الأدبية وبين توجهات الوعي الجماعي للفئات الاجتماعية.‏
ويرى غولدمان أن البنيوية تقتفي أثر الألسنية، فتتجاهل وتلغي المعنى، بل... إنها لاتدرس في السلوك البشريّ سوى نظام الوسائل، على حين تعترف البنيوية التكوينية بأهمية دراسة الوسائل، لكنها تراها من داخل الفعل الإنساني وترى وظيفتها قائمةً على الدوام في إمكانياتها على خلق بنياتٍ دلاليةٍ لامتناهية مادام الفعل البشري فعل إبداعٍ وتجاوزٍ.‏
يختتم "تادييه" كتابه بالإشارة إلى إسهامات "باختين"، وسأتجاوزها لشيوعها في أوساطنا قبل الهجمة الأخيرة لمدارس الحداثة الغربية ومابعدها، فأعود لمقدمة المترجم د.منذر عيَّاشي، الذي أشار إلى أن القرن العشرين قد شهد تحوُّلاً في وظيفة النقد، فارتفع بها من مجرَّد الإطناب مدحاً أو ذماً، وأصبح النقد مساوياً للأعمال التي يحللها.‏
ولكن الناقد والمترجم د.منذر عيَّاشي، يقع في الإطناب مديحاً، فيقول في مقدمة الجزء الأول من كتاب جان إيف تادييه:‏
"من سيقرأ هذا الكتاب، سيلاحظ فيه شيئاً من لفظية الجاحظ في تناوله للنصِّ، وسيرى أيضاً.. شيئاً من عقلانية الجرجاني البنائية في تفتيت النصِّ بحثاً عن النسق والنظام والترتيب، ولعلّه سيرى أيضاً ابن رشدٍ في فلسفته يُطِلُّ من خلف القرون، وحازماً القرطاجني سيراه أيضاً.. حاضراً يقرأ الإبداع ويضع فيه من إضاءاته وأفكاره أن مانقوله هنا قد يكون مجرَّد وهم".‏
هو وهمٌ... في كلِّ حال، فكتاب (جان إيف تادييه) على منهجيته الأكاديمية، كتابٌ في تاريخ النقد الغربي شمالاً وغرباً، لايخرج عن الدائرة التعليمية التي يتوخَّاها كاتبه منه أستاذاً جامعياً يُدرِّس لطلابه تاريخ هذا النقد، وليس نقد هذا التاريخ!.‏
وإذاً... ما شأن لفظية الجاحظ، وعقلانية الجرجاني، وفلسفة ابن رشد، وقراءات حازم القرطانجي؟!.‏

هكذا نُقَرِّظ ناقداً بنقادنا!، ثم لانُعيد اكتشاف مساهمات نقادنا أنفسهم على ضوء ماتوارد علينا ترجمةً من مدارس النقد الغربي، فنخطو من النَقْلِ -ترجمةً- إلى سؤال العقل.‏
تحميل pdf
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات