التطور اللغوي المعاصر بين التقعيد والاستعمال pdf
إذا كان العصر الحالي في رصد ظواهر التطور اللغوي هو الهدف الإجباري غير المرسوم وغير المحدد ، فإن اللغة العربية قد مرت في مسيرتها إليه بثلاث مراحل كسرى تعتمد على مرحلة نسبة المجهول فيها أكبر بكثير مما هو معروف عنها تاريخاً ، وأقل مما هو مستنبط منها في المراحل اللاحقة مضمونة ، تلك هي المرحلة التي تمتد في عمق تاريخ العربية غير الحاصل على تفاق بين الباحثين على لحظة البداية ، وكل ما قيل فيه لا يعدو محاولة استكناه الماضي على ضوء حركة الحاضر من جهة ، وعلى النظرة إلى سنة التطور في ظواهر الكون من جهة أخرى ، وهي المرحلة التي تسبق القرن الثاني الهجري ، القرن الذي استطاع الخليل بن أحمد الفراهيدي أن يضع فيه بداية مرحلة الثانية في التاريخ لمسيرة اللغة العربية .
ومع أن تلك المرحلة - الأولى - قد اتسمت بالغموض في حركة تطورها في تراكيبها ، إلا أنها قد استطاعت ، ولا ريب ، أن تجعل العربية في وضعها المثالي الذي أخذ المتحدثون بها في المراحل اللاحقة يتوقون لتقليدها ، ويحسبون معيار بلاغة البليغ وفصاحته بمقدار ما في كلامه من مسائلة تلك المرحلة القاعدة . وكما يقر الباحثون جلهم بأن أقوالهم في رصد حركة تطور تلك المرحلة استنباطي ، يقرون أيضاً أنه قد حصل بينها وبين غيرها من لغات الشعوب المجاورة تمل أو تداخل أو تبدل ، يعبرون عنه بالتأثر
↚ والتأثير بين العربية وغيرها ، ولكنهم ، على الرغم من التصريح الواضح في كثير من الأحيان بأنه قد دخل في العربية ما ليس منها ، فهو عندهم من الفارسية تارة ، ومن الحبشية أخرى ، ومن الرومية أو من غيرها تارة ثلاثة ، إلا أنهم يدافعون عن قدسية ما دخل في عربية تلك المرحلة دفاعا يأخذ مناهج متعددة مختلفة باختلاف وجهات نظر الباحثين وتعدد مناهج بحثهم ، ولكنهم جميعاً ، تقريباً ، يتخذون ميلاً إلى أكثر الآراء قبولاً في هذا ، وهو أن العربية قد أخضعت ما دخل فيها إلى موازينها الصرقية ، ليتسق مع منهجها في بناء تراكيبها والتعبير عما وفد إليها من المعارف التي لم تكن فيها .
والاستعمال اه خاصة أسماء المسميات التي لم تكن قد تضمنتها حضارة الناطقين بها في مراحل تاريخهم الميم ، ولكن الباطن بعلمة برفضون أن تكون العربية قد تترت في تراكيبها وكيفية بناء التركيب بأية لغة أخرى ، بل ربما كان ثرها في غيرها في هذا لجلب أقوى بكثير من تأثرها بغيرها في المباني الصرفية أو المعاني المعجمية . وما أن فكر الخليل بن أحمد بوضع منهجه للتقعيد اللغة بوضع القواعد والقوانين التي تساعد متعلمي اللغة في أن يحذوا حذو العرب في كلامهم ، وتعمل على مساعدة العرب في الإبقاء على لغتهم نفية في ألسنتهم ، في وسط أخذ الاختلاط فيه يزداد يوماً بعد يوم ، بازدياد أسباب هذا الاختلاط ، بخروج العرب من حدود دائرتهم الجغرافية ودخول غير العرب إلى دائرة العرب التي كان قسم منها مغلقة تماماً أو شبه مغلق كما ينص العلماء القدماء ، ما أن كان ذاك حتى بدأت المرحلة الثتية من مراحل حركة اللغة العربية في مسيرتها مع الزمن . وفي هذه المرحلة بدأ الصراع الخفي بين ما أخذ يسمى فيما بعد بالأصالة والمعاصرة ، أو بالتجديد والتقليد .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق