الرواية المغربية ورهاناتها
عبد العالي بوطيب
قبل الشروع في سرد تفاصيل هذا الموضوع، لا بد من إبداء بعض الملاحظات النظرية العامة، تعد بمثابة أرضية ضرورية لفهم دلالة الرهان (أو الرهانات) في علاقته الجدلية الوطيدة بمختلف مجالات العمل من جهة، وتحديد العوامل الفاعلة في ضبط طبيعته الكمية والنوعية من جهة أخرى. مما سيساهم، إلى حد كبير، في كشف أبعاد الإشكال المطروح، وتيسير إدراكه. من ذلك مثلا:
1 – أن لكل عمل هادف رهانا (أو رهانات) محددا، قد يختلف من حالة لأخرى، لكنه يظل دائما حاضرا، بشكل من الأشكال، يحدد توجهه، ويصونه من مخاطر الزوغان عن المسار المرسوم. فالرهان، بهذا المعنى، يعتبر بمثابة الغاية الضابطة لملامح العمل، والمحددة، في الوقت ذاته، لقيمته، منها يستمد مشروعيته، وبها تقاس أهميته وجسامته(*). وهو ما يعني بعبارة أخرى أن العلاقة بينهما علاقة على بمعلول، أو هكذا ينبغي أن تكون، ضمانا للانسجام المطلوب لنجاح كل مشروع. لذلك نعتقد أن الحديث عن أي ممارسة، كيفما كانت طبيعتها، لا يستقيم، علميا على الأقل، دون تحديد رهاناتها، وتقدير مردوديتها المحتملة(*).
فإذا ما اعتبرنا الكتابة الروائية المغربية، تعبيرا إبداعيا عن رهانات ضمنية مختلفة، باختلاف شروط تحققها، الحضارية والثقافية، العامة والخاصة، المشكلة لأهم مراحل تاريخ هذه الممارسة بالمغرب. أمكننا الجزم، دون مجازفة، بأن الفهم الدقيق لأبرز التحولات، الفكرية والفنية، التي مر، ويمر، بها مشهدنا الروائي من البداية إلى اليوم، يتوقف، في جزء كبير منه، على عمق معرفتنا برهاناته. نظرا للعلاقة الوثيقة القائمة بينهما.
2 – أن الرهان، كمعطى تاريخي، له قيمة نسبية، مرتبطة بحيثيات عديدة ومختلفة، يستوجب التحيين الدائم، تعديلا وتغييرا، كلما تطلب الأمر ذلك، ضمانا لحيوية المشروع، وحماية له من خطر السقوط في آفتي الجمود والتكرار. لذلك فالحديث عن رهان (أو رهانات) محدد ونهائي يعد أمرا مستحيلا، يتنافى والطبيعة التاريخية لموضوع، على درجة عالية من التعقيد، كالرواية المغربية مثلا.
3 – ارتباطا بالملاحظة السابقة، وتأسيسا عليها. يتضح أن الرهان، وإن بدا ظاهريا بسيطا، وعلى علاقة أحادية مباشرة بمشروعه، فإن باطنه يكشف، عكس ذلك، عن طبيعة معقدة، يتقاطع فيها، بالإضافة لما سبق، عناصر أخرى عديدة ومختلفة، تتوزع بين الموضوعي والذاتي، العام والخاص، الثقافي والسياسي.. إلى غير ذلك من العناصر التي يتطلب الكشف عنها دراسة فاحصة تلم بالرهان (أو الرهانات) وحيثياته من جميع الجوانب.
ولإعطاء صورة تقريبية عن حجم التأثير غير المباشر لبعض العوامل الخارجية البعيدة في تحديد الرهان، وضبط مواصفاته، الكمية والكيفية، يكفي التذكير، على سبيل المثال لا الحصر، بالدور الهام الذي يلعبه عامل الزمن، بمفهومه الواسع، في تغيير بعض رهانات المشاريع الطويلة الأمد، لدرجة نصبح معها أمام رهانات عديدة ومختلفة، باختلاف مراحل المشروع، في علاقتها بنتائجه المحققة والمرتقبة على السواء. وإن كان هذا لا يمنع أحيانا من تزامن وتعايش بعض الرهانات المختلفة في مرحلة تاريخية واحدة، خصوصا إذا ما كان المشروع عاما ومشتركا، كالرواية المغربية مثلا، يتقاسمه فاعلون مختلفون، ينفرد كل واحد منهم بتحديد رهاناته الخاصة، ضمن الإطار العام، وفق ما يتلاءم وشروطه المعرفية الشخصية.
رابط البحث
تعليقات
إرسال تعليق