إضاءات أولية
يحاول هذه الفصل استقصاء معنى النص في المعاجم العربية ، والسباقات التي استخدمت فيها ، والكلمات الدالة عليه : الوثيقة ، أو المرتبطة بلورة معنى يصل إلى مستوى معين من الشمولية : النسيج ، والنظم ، والتاليف . إضافة إلى طبيعة تشكل النص حيث يلعب التناص دورًا رئيسا فيه . وكذلك المصطلحات التي يختلط معناها بمعنى النص ، وهي :الخطاب ، والأثر معنى النص في اللغة يرى بعض الدارسين أن دلالة نص لا ترتهن بالظواهر القاموسية ؛ فالمعاجم لا تطرح إلا قوالب لفظية لا تحيط بمفاهيم الأشياء " ، ما اوصل ، في النهاية ، إلى القول بأن مصطلح النص ـ الذي نستخدمه - يحيل إلى مفهوم غربي ، لا وجود له في الثقافة العربية . والحقيقة ، أن منشئي المصطلحات لا يستطيعون التنصل من الاستناد إلى أصول لغوية تسوغ إنشاءها ، وهذه الأصول مجتمعة ، تستطيع أن تكشف عن ملامحها ، ولكنها ، بطبيعة الحال ، ليس شرطا أن تعطينا المعني اصطلاحا . ومن هنا ، فإن السباقات التي استخدمت فيها كلمة النص ، اتجعل صياغة المعنى الاصطلاحي مسؤولية الناقد .
وحتى ندرك ما أشرت إليه سابقا ، سأتناول معني نص و نسيج في السياقات التي استخدمت الكلمتان فيها ؛ كي تتشكل هذه الملامح ، قبل أن نصل إلى معنى اصطلاحي يمكن أن يحظى باستقرار . وساعتمد كثيرا على لسان العرب : لأن ما جاء في المعاجم الأخرى ، مثل : الصحاح في اللغة ، ومقاييس اللغة ، والقاموس المحيط ، لا يكاد يختلف عما جاء فيه إلا من حيث الاختصار والترتيب ، سانطلق من التعريفات العامة التي دارت حول النص ، واربطها بما جاء في لسان العرب ، وذلك في النقاط الآتية :
الأولى : النص وثيقة
هذا المعنى ، هو اقدم المعاني حيث إن النص دال على عصر منتجه ، وحياته ، والحالة النفسية التي سيطرت على الشاعر زمن إنتاج النص قادرة على شرح ما غمض من معنى . وحتى يتحقق ، ينبغي تحديد النص الدال ، وهنا ، نجد معنى النص هو التعيين على شيء ما ، أو تحديد النص المقصود بالدراسة ، يتبعه استقصاء ما حوله : العصر والشاعر ، وهنا ، نجد معنى النص في القول : نص الرجل نصا ، إذا ساله عن شيء ؛ حتى يستقصي ما عنده ، وفي القول : نصص الرجل غريمه ، إذا استقصى عليه ، بمعنى الإحاطة بكل شيء عنه .إن تعيين النص ، واستقصاء ما حوله ، يعني نسبة النص إلى القائل أو القدرة على التحقق من صحة نسبته إليه ، وهو ما نجده في معنى النص ما قيل : النص : رفعك الشيء ( . . ) قال عمرو بن دينار : ما رايت رجلاً انمى للحديث من الزهري ؛ أي ارفع له واسند " . ومما جاء في بيت شعر اورده الزمخشري : نص الحديث إلى أهله ، بمعنى نسبته إلى صاحبه الأصلي . ومن منظور آخر ، نجد المبدعين حريصين على أن يبقى نص كل واحد منهم مرتبطا باسمه ، ونجد الدارسين والمحققين حريصين على ذلك أيضا . هذا الحرص عند الطرفين : المبدعين ، والدارسين ، على بقاء النص مقرونا بقائله ، يتطلب الإشهار ، يعني أن يُعرف النص بانه لفلان ، هذا من ناحية الأولى ، وان يكون النص قد خرج من حوزة القائل إلى التداول أو لم يعد سرا من أسرار المبدعين كان يقبع في ادراج المكتب ، أو يبقى حبيس الجدران الأسمنتية . ولهذا قيل : كل شيء أظهرته ، فقد انصصته ، وقيل : وُضع على المنصة ؛ أي على غاية الفضيحة والشهرة والظهور " ، لأن قوة حياة النص من خلال انتشاره بين الناس ، بمنزلة مضاعفة الحياة القائل ، وفي الوقت نفسه ، حياة أخرى ممتدة ، بوصف الإنسان موجودا زمنا لم يكتب له الخلود ، هذا من ناحية أخرى .
الثانية : النص نسيج
إن كلمة Text التي تُترجم إلى نص من اصل لاتيني Textus ، وتعني النسيج ، وفعلها Texcre ( 18 ) ، وبطبيعة الحال ، فإن الخيوط التي يتشكل النص منها ليست سوى الكلمات والجمل ؛ حتى تستوي وتستقيم نسيجا ، او نا متماسكا . لقد اوصلتنا مادة نمص في لسان العرب إلى نسج ، فقد قيل : نصمت المتاع ، إذا جعلت بعضه على بعض ، وقيل : المنصة ، الثياب المرنة والفرش الموطا : ( 20 ) ، فالنص يحظى بالتماسك ، لأن الخيوط المتداخلة المتشابكة ، كما هو حال الثياب ، يشد بعضها بعضا ...الثالثة : النص نظم
اوصلنا القول تسج الشاعر الشعر : نظمه السابق ، إلى معنى النظم ، وهو التأليف " 20 ، فيقال : نظمت اللؤلؤ ؛ أي جمعته في السلك ، والتنظيم مثله ، ومنه نظمت الشعر ونظمته 27 ، ويُقال ، أيضا : كل شيء قرنته بآخر ، او ضممت بعضه إلى بعض ، فقد نظمته . وإذا كان بإمكاننا القول : تناظمت الصخور تلاصقت ، فبإمكاننا أن نقول : تناظمت الكلمات بمعنى تلاصقت ، ايضا ، ولكن هل هذا التلاصق في الكلمات سيكون عشوائيا ؟ ...الختحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق