التاريخ واللسانيات النص ومستويات التأويل pdf
تحميل كتاب التاريخ واللسانيات النص ومستويات التأويل pdf
ما الداعي إلى التقاء التاريخ باللسانيات ؟ تقتضي المعرفة التاريخية ، من منظور شائع ، عبور لغة الوثيقة من أجل الإمساك بالمضمون الوقائعي المرف . ويُقر تصور مماثل بأن الدراسة اللسانية وقوف عند الظاهرة اللغوية في حد ذاتها ، أو تناول للنص المنغلق بمعزل عن المحيط والسياق . مثل هذه التحديدات قد تستبعد إجرائية المساهمات التي يضمها هذا الكتاب أو تعتبرها ترفاً لا يتلاءم مع الضرورات المرحلية . لكن هذا الاستبعاد يُنمّ عن تصوّر كوني يتجاهل تاريخ علاقة التاريخ باللسانيات والدراسات الأدبية لذلك لا بأس من إلقاء نظرة وجيزة على هذا المسار المنهجي الذي لا يخلو من منعرجات ومفارقات .
من المعلوم أن القرن التاسع عشر شكل مرحلة حاسمة في بروز حقل العلوم الانسانية بشكل عام . وضمن هذه الحركة ، ثم وضع قواعد النقد التاريخي الذي بتوخي تحقيق الوقائع في إطار يختزل الماضي في الحدث السياسي - العسكري . وفي نفس الحقبة انشغلت الدراسات اللغوية بقضايا التطور ، فظهرت اللسانيات التاريخية ، وساهمت الأبحاث المقارنة في تتبع معطيات الإتيمولوجيا والاقتباس والتأثير ، بل طرح اللغويون ، بناء على جغرافية اللغات ، فرضيات تؤشر إلى ما عرفته الشعوب القديمة من هجرات وأنماط عيش ومؤسسات . ثم كان ميلاد اللسانيات البنيوية في القرن الحالي وأعلنت أعمال سوسيين عن قطيعة نظرية تدعو إلى رفض المنظور التاريخي وتعتمد إبراز الثابت والنسق وجعل هذا الاختيار من اللسانيات علماً إنسانيا بامتياز ، حيث تزعمت حركة ترسيخ البنيوية في معارف مثل أنتربولوجيا ليفي ستروس والتحليل النفسي عند جاك غير أن الكتابة التاريخية شهدت هي الأخرى نجدداً في مواضيعها ومناهجها فقد اتسع نطاق الوقائع المدروسة ، وتمت إعادات نظر إبستمولوجية لها صلة مفهومي الوثيقة والواقعة ، وعملت مجلة الحوليات الفرنسية على توطيد دراسية التاريخ الاقتصادي والاجتماعي وتارع الحياة اليومية والتصورات ، مما جعل فضول المؤرخ يتناول بنيات بطيئة التحول . ولا غرابة في أن الاهتمام بالكلمات أصبح من المفاتيح التي تساعد على فك ألغاز الماضي وتجنب الدارس مزالق الالتباس الزمني . ومن ثم برز الاهتمام بالمعجم السياسي والديني ، وصاغ البحث إشكاليات جديدة تُعنى بالكتابة والكتاب ضمن ما سمي بتاريخ الممارسات الثقافية . من المثير أن هذا التجدد ساهم ، إلى هذا الحد أو ذاك ، في إعادة الاعتبار للتاريخ والمحيط الاجتماعي داخل الحقل اللساني ذاته . فبينا اتجهت بعض الدراسات اللسانية إلى المزيد من الشكلنة والمقاربة الكمية ، تراجعت هيمنة البنيوية وظهرت اجتهادات تُؤول الممارسة اللغوية والكتابة على ضوء العامل الخارجي الذي كان منبوذاً فيما قبل . هكذا تم تأسيس اللسانيات الاجتماعية ، ودعا البعض إلى معالجة ظروف إنتاج الخطاب وأشكال نداوله .
↚
هناك إذن قاسم مشترك يجمع بين تطور كل من التاريخ واللسانيات : اتساع الرقعة الاشتغال تواكبه ضرورة استيعاب مكتسبات علوم إنسانية أخرى ، وهي ضرورة تختلف باختلاف أسئلة الباحثين والمتون التي يوظفونها للإجابة عن الأسئلة المطروحة . لقد قصدنا من هذا الاسترجاع العام ، توطين مواد هذا الملف وخصوصاً أن القارئ لن يجد تعريفاً بمناهج التاريخ واللسانيات ، أو كلاما تجريدياً عن تكامل التخصصين ، إذ لا نريد إعفاء المهتمين من عناء الاطلاع على المراجع المتوفرة في هذا الميدان . نحن هنا أمام لقاء جمع بين مؤرخين ولسانيين وسيميائيين من بلدان المغرب العربي ، وقد سعت معظم مساهماتهم إلى الإجابة العملية عن بعض الأسئلة الضمنية . ما هي نقط الالتقاء الممكن بين التاريخ واللسانيات ؟ ما هي النصوص والقضايا التي تستفيد من مثل هذا الحوار ؟ كيف يمكن استثمار التفاعل الإيجابي بين أسئلة المؤرخ واللساني ؟ .
تنطلق الدراسات المقترحة من هذه المشاغل بصيغ متعددة ، أملتها اهتمامات المؤلفين و ميولاتهم المنهجية ، إذ لم يتقيد اللقاء باختيار اصطلاحي معين ، أو موقف نظري دون الآخر . فمن حيث المواد المدروسة ، نجد أدب المناقب بجانب الأدب الجغرافي والاخباري والكتابة الفقهية ، ومعجم الحياة اليومية بجانب الأعلام البشرية والمكانية . وقد تناولت المساهمات قضايا الرمز والمجاز والتمثيل ، بجانب الأجناس الأدبية في منطقها ووظائفها . كما تمت معالجة بعض ظواهر السيطرة السياسية والمثاقفة ، وما يصاحبها من تغيرات واستراتيجيات خطابية | تسعى هذه الحصيلة إلى التحفيز واقتراح مسالك تتطلب المزيد من الجهد والمتابعة ، لكن يتأكد مع ذلك أن الوقوف عند المستوى اللغوي والأدبي والاستعانة بالأدوات الملائمة يساعدان على استشكال الوثيقة التاريخية ، ويُتيحان القيام حفريات حقيقية في ماضي مجتمعنا وثقافتنا ، في خصوصيته وبعده الانساني . إننا بصدد استحضار دلالات تُبرز الظاهرة الاجتماعية التاريخية في تجليات كثيراً ما بحجمها كبد النص ، ويحول دون الوصول إليها ذلك التمييز العقم بين شكل النص ومضمونه .
تحميل pdf
تعليقات
إرسال تعليق